الأولى

مؤشرات ومقتضيات التحول الجديد

| بنت الأرض

لقد استقرأت في الأسبوع الماضي تحولات جديدة في تصرفات الولايات المتحدة، ومنعكسات هذه التصرفات ودلائلها حول البنية الداخلية للولايات المتحدة وتحولات هذه البنية في العصر الراهن، والتوقعات المستقبلية سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى علاقة الولايات المتحدة بالعالم وآثار هذه العلاقات على وضع البلدان في قارات مختلفة، وعلى العلاقات الدولية بين الأقاليم والقارات.
ومن خلال متابعة ما يجري في العالم بشكل حثيث، وارتدادات العدوان الأميركي على مطار الشعيرات بعد فبركة حادثة خان شيخون بأيدي الذين استهدفوا سورية بطرق وأشكال شتّى، أودّ أن أسجّل هنا ملاحظة مهمة علينا جميعاً ألا نغفلها لأنها تؤسس للقادم من الأيام، والملاحظة هي أن عدداً محترماً من العلماء والمختصين في الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا انبروا إلى تفنيد أكاذيب خان شيخون بشكل علمي ودقيق، ومن خلال دراسة الطقس والتوقيت وحركة الرياح، والاحتمالات جميعها التي كانت مطروحة، توصّلوا إلى استنتاج واحد، وهو أن هذه الحادثة كانت مرتّبة ومفبركة على الأرض، ولا علاقة للجوّ بها، وأنها غالباً من صنع الإرهابيين وحلفائهم الذين يسيطرون على المنطقة، وأنّ الهدف منها سياسي، وهو رفع معنويات الإرهابيين، وتوجيه اتهام إلى الحكومة السورية بقصد توسيع دائرة العدوان عليها وتبرير المواقف الجديدة التي أُريد للولايات المتحدة اتخاذها وضمان استمرار هذه الحرب على سورية بغية استنزافها وجيشها ومواردها لتحقيق الأغراض والأهداف الأصلية التي من أجلها تمّ شنّ هذه الحرب على سورية منذ أكثر من ستّ سنوات.
المؤشرات هنا تختلف بشكل فارق عن المؤشرات التي تابعناها قبيل الحرب على العراق، حيث كان الإعلام الغربي صوتاً واحداً داعماً للعدوان، ولم نسمع أصواتاً مهمة ومقنعة تفنّد هذا العدوان، وتحاول إثارة وعي الرأي العام بخطورته، وبكلّ الأكاذيب الملفّقة التي سبقته ورافقته. أمّا اليوم فإننا نرى علماء وعلى رأسهم العالم الكيميائي الأميركي الشهير، تيودور بوستول، يفنّد حادثة خان شيخون بطريقة علمية مهنية ودقيقة، وينشر تفنيده هذا، ويبدي استعداده أن يستكمل الدراسة، وأن يدلي بشهادته في أي محفل حول ما يجري. كما انبرى علماء ألمان وأوروبيون، وغصّت بوابات إلكترونية لتفنيد ما جرى وإظهار فبركته، بحيث لم يعدْ متوقعاً من الولايات المتحدة ومن ينسّق معها بهذا الصدد أن توافق على لجنة تحقيق حيادية ومهنية، ذلك لأن التحقيق العلمي موجود ومنشور ودقيق ومهني.
هذه هي مؤشرات هذا التحوّل الجديد؛ ألا وهي أن ينبري أصحاب الضمائر في الغرب والشرق، وأن يهجروا صمتهم، وأن يرفعوا أصواتهم في وجه الغيّ والظلم والعدوان، وأن يشجّعوا بذلك الناس الآخرين كي يتخذوا موقفاً لنصرة الحقّ تماماً كما كان يحدث في سبعينيات القرن الماضي من أجل إنهاء الحكم العنصري لجنوب إفريقيا، وإزالة رزح الاحتلال الإسرائيلي عن فلسطين. أما مقتضيات هذا التحوّل الجديد فهي أن نتأقلم معه، وأن نتخذ الخطوات الملائمة له، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن نكفّ عن اعتبار وسائل إعلام الشركات هي الوسائل الأساسية، وأنّ نتّجه إلى تعزيز مكانة الإعلام البديل الذي يحاول أن يطرح مشروعاً إعلامياً عالمياً يحرّر من خلاله الناس من ربقة الإعلام المموّل صهيونياً، والذي كان أداة قتل واحتلال وعدوان. ومنها أيضاً أن نوسّع دائرة التحالفات بطريقة جديدة، فكم من الذين اعتبرناهم إخوةً وأشقاء وقفوا بشكل عملي ومُعلن في صفوف الأعداء والمستهدفين لنا، وكم من الأصدقاء تحوّلوا إلى حلفاء حقيقيين وشركاء في المعركة والمصير.
هذا المشهد اليوم يعيدنا إلى مشاهد النضال العالمية ضدّ العنصرية، والاحتلال، والحروب في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وعلّه من الأجدى أن ينطلق أصحاب القضايا إلى العالم بأسره لحصاد دعم عالمي لقضاياهم، والخروج من أزقّة الغرب التي برهنت أنها لا يمكن أن تكون صديقة أو صادقة في معاييرها وأحكامها.
التحولّ الجديد اليوم هو نحو عالمٍ جديد نصنعه جميعاً، ونحدّد خصائصه جميعاً اعتماداً على تجاربنا ومصالح شعوبنا، ولكن بشرط أن نمتلك الجرأة لرفض كلّ النفاق الغربي، ومسرحته لقضايا الشعوب، وكذبه في ادعاءاته بحرصه على الإنسان وقضاياه. لقد رأينا ما يكفي، وعايشنا ما يكفي من الكذب والآلام؛ فلنمسك بناصية هذا التحوّل، ولنكن فاعلين في توسيع دائرته وتعميق آثاره حتى يشمل العالم برمّته، ويساهم في إعادة إنسانية الإنسان وأمنه واستقراره وكرامته كقيم عليا للبشرية بدلاً من المال الذي يحتلّ المكانة العليا في القيم الغربية. إننا أمام تحوّل مرشّح أن يفضي إلى ثورة أخلاقية في العالم تتغيّر معها القيم والتصرفات السياسية كي تعكس حقاً مصالح الشعوب وطموحاتهم وآمالهم المستقبلية. إن الحرب على سورية قد وضعت العالم على مفترق طرق، وعلى كلّ منّا أن يؤمن أنه قادر على المساعدة في سلوك طريق الحقّ والانتصار لإنسانية الإنسان وكرامته حيثما كان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن