ثقافة وفن

التجربة في الوثائقي متنفس ضروري بين فيلم طويل وآخر…غسان شميط لـ«الوطن»: السينما لدينا همّ وطني والمؤسسة لا تستطيع أن تتصدى للحلّ

عامر فؤاد عامر : 

حمل بصمته الخاصّة من الجولان السوري المحتل الذي ولد فيه عام 1956 ودرس في المعهد العالي للسينما في أوكرانيا، نال شهادة الماجستير في الإخراج السينمائي عام 1982 وقدم ثلاثة أفلام روائيّة قصيرة هي «اللعبة» و«الرقيب» و«صيد تحت الماء» وفي رصيده 15 فيلماً وثائقيّاً كان آخرها «الباشا»، أمّا أفلامه الروائية الطويلة فكانت جميعها من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وحصل فيلمه «الهويّة» الذي أُنتج في العام 2007 على جائزة مهرجان «فجر» السينمائي في طهران، والجائزة الكبرى في مهرجان «تطوان» في المغرب»، ومؤخراً انتهى من تصوير مشاهد فيلمه الروائي الجديد «تحت سرّة القمر»، وفي مجموعة من الأسئلة حول الهمّ السينمائي السوري وإنجازاته في السينما كان هذا الحوار مع المخرج «غسان شميط».

انتهيت مؤخراً من تصوير فيلمك الطويل المأخوذ عن رواية «تحت سرّة القمر» وبدايةً لماذا اخترت هذه الرواية بالذات؟ وإلى أي حدّ كان لأحداثها انطباق على الرؤية الإخراجيّة؟
ما شدّني في الرواية «تحت سرّة القمر» هو صدّق الكاتبة «جهينة العوّام» والأمانة التي تعاطت بها مع روايتها، وذلك اتجاه ما يحدث من حولنا، ولذلك رأيت في الكاتبة نجاحاً وتميّزاً في عالم الكتابة، ولاسيما أنّها تجربتها الروائيّة الأولى، فقد تناولت شرائح اجتماعيّة متعددة من حياتنا، فلامست جرحنا السوري الذي نعاني منه يوميّاً، بالقسوة والصعوبة التي نحسّ بها فعلاً، فتُظهر العائلة الأساسية التي تنتقل من بيئة لأخرى في مقدرتها على التأقلم في المكان الجديد، وبناء علاقات جديدة، وهنا تكمن الدعوة للتآخي بقوّة، والتقرّب من بعضنا، ونسيان الأحقاد والكره، وأنّ يتعامل الإنسان مع غيره بهدف الإنسانية من دون التطلع لخلفيّات طائفيّة، وعموماً سورية كانت في هذا التعايش، والمحبّة، والتسامح، وهذا ما أعرفه من تجربتي أثناء تصوير الأفلام وخاصة في كلّ المناطق السوريّة، فالرواية تدعو للتعامل مع بعضنا بإنسانية مع احترام الخصوصيّة، والحريّة الشخصيّة، والفكرية من دون أن نُضرّ ببعضنا.
عموماً العمل الروائي مختلف عن السينمائي، ففي الرواية يمكن للكاتب أن يشطح في خياله كما يودّ، والمساحة مفتوحة للشرح، والحوار، والاستفاضة، على حين في السينما هناك شاشة تحدّد الأحداث في بداية ونهاية، في خصوصيّة تشدّ المتفرج، وبالتالي عندما تناولنا النصّ الروائي لتحويله لسيناريو فيلم – أنا والكاتبة جهينة معاً – قرّرنا ألا نضع كلّ الأحداث في الفيلم، فهي رواية كثيرة الأحداث، فأخذنا الخطّ الأساسي منها وتركنا الخطوط الجانبيّة، وذلك للوصول لهدف محدد، مع إضافة تفاصيل لم تكن موجودة في الرواية، وهذا الأمر يُغني الفيلم طبعاً، بالإضافة إلى أن هناك أشياء تمّت إضافتها حتى أثناء التصوير، وما مشيت به هو مساحة كبيرة للحبّ، فالأبطال في الفيلم لديهم مساحة ليحبّوا بعضهم، ويتآلفوا أكثر.

سرعة الإنجاز في تصوير الفيلم ضمن ظروف غير مثاليّة؛ كان سمة أساسية في العمل، فكيف كان لكم «كفريق عمل» كلّ ذلك؟
أعتقد أن الخبرة لها دور فيما تقول، فسابقاً كان يلزمني من ثلاثة إلى أربعة أشهر للتحضير للفيلم قبل الشروع في العمل به، أمّا الآن، وبتعاون الجميع، فقد أنجزت العمل في وقتٍ قصير فعلاً، ولربما فيما ذكرت من الأوضاع العامة التي نعيشها، هو سبب رئيس دفعني للعمل بسرعة، والاستفادة من كلّ الوقت المُتاح، فكان هناك اجتهاد وجدّيّة، وللملاحظة هذا لم يكن على حساب الجهود الفنيّة، وأيضاً أريد الإشارة إلى أن الجميع كان همّه العمل، والإنجاز، وكان هناك طابع محبّة من الجميع، لنكون يدّاً واحدة أثناء العمل، وهناك ملاحظة حول انتقائي للفنانين؛ فأنا لا أفضل نجوم الصف الأول في العمل معي لأن أولئك يفرضون، ومن خلال خبرتي معهم، قيوداً على العمل تؤخر من الإنجاز. وبحسب رأيي: السينما هي المخرج في النهاية، بالطبع هذا لا ينفي جهود الجميع لكن هذه حقائق يصل إليها الشخص مع مرور الوقت، فمثلاً في الدراما التلفزيونيّة النصّ هو الأساس في النجاح، أمّا في المسرح فالممثل هو عامل النجاح الأوّل، لأنه حاضر مباشرةً، فكلّ فنّ له خصوصيّة، ولذلك لا أهتم في السينما لوجود النجوم بل انتقي الممثل المناسب للدور، وهكذا أكسب خمسين بالمئة من نجاح الخطوة، وتقع الخمسون الأخرى في حالة الاهتمام المشتركة بيني وبين الممثل، والتصوير، وجميع العاملين بالتأكيد، وهكذا يأتي التكامل في الفيلم السينمائي المثالي، وعن الممثلين في «تحت سرّة القمر» كانوا جميعاً يحضرون في الوقت المحدد، ولم نعان من أي تأخير، والجميع منسجم ليقدّم أجمل صورة للعمل.

عقبات كثيرة واجهتك في فيلم «الشراع والعاصفة» المأخوذ عن الرواية نفسها للأديب «حنا مينة» وعلى الرغم من تحدّي ذلك إلا أنه لم يلقَ اهتماماً في عرضه وافتتاحه بما يليق، لماذا؟
مرّ وقت ليس بالقليل في كلّ خطوة تخصّ هذا الفيلم؛ من حقوق الرواية إلى كتابة السيناريو والموافقات الخاصّة، إلى أن جاءت مشكلة تجسيد العاصفة في الفيلم؛ فكان من الصعب على المؤسسة العامة للسينما أن تنتج بمفردها الفيلم إذ ازدادت التكلفة، ففكرنا بالشركاء في الإنتاج، ليدخل عدد منهم ثم ينسحب، لكن فيما بعد تصدّت المؤسسة العامة للسينما مع الوزارة لإنتاجه، والتصوير كان في استديو مغلق في أوكرانيا، وبعد الانتهاء من ذلك، كان لدينا وقت إضافي للغرافيك ولاسيما أنّ العاصفة فيها مراحل، وتحتاج دقة في نقل الصورة، ولكن في النتيجة ظهر الفيلم، لكنه جماهيريّاً لم يلقَ العرض والاهتمام المناسبين، وفقط عُرض في سينما الكندي في دمر، ولربما مستقبلاً سيكون لمؤسسة السينما وقتها في تسليط الضوء عليه، واليوم أتلقى الكثير من المطالبات في عرضه وخاصّة من قبل أهلنا في المنطقة الساحليّة لكون الفيلم يروي أحداثه في هذه المنطقة بالتحديد.
تجربتك في الفيلم الوثائقي كبيرة، فما مشكلة هذا النوع من الأفلام لدينا أيضاً؟
لا اعتبر الفيلم الوثائقي أقلّ أهمية عن أفلام الرواية، فهناك أفلام مدّتها نصف ساعة، وتحمل أهمية كبيرة في المضمون، والمشكلة لدينا أنه لا توجد قنوات لعرض الوثائقي، ولا بدّ من إيجاد حلول ناجعة لهذه المشكلة، وفي رصيدي خمسة عشر فيلماً بمواضيع حساسة منها «المدن المنسيّة» الذي يروي الحكاية عن مواقع أثريّة غير معروفة، و«قلاع الشمس» الذي يتحدث عن كلّ القلاع الموجودة في سورية، و«دار المسك» عن دمشق، و«الأبواب السبعة» عن أبواب مدينة دمشق، وعن «خانات دمشق» وغيرها، وهي مواضيع مهمّة جداً، وتحمل تاريخاً لمواقع ربما تعرضت للتخريب والتدمير خلال الأزمة الراهنة.
شخصيّاً أحببت التجربة في الفيلم الوثائقي، وبما أنه لا يمكن أن أقدّم دائماً فيلماً روائيّاً لظروف الإنتاج والمؤسسة العامة للسينما، فقد وجدتُ غايتي في الفيلم التوثيقي، وقريباً سأبدأ فيلماً جديداً عن مراكز الإيواء في سورية، فلا مشكلة لدي، إلا في التوقف فهو متنفس ضروري بين كل فيلم طويل وآخر.

حدّثنا عن فيلمك الوثائقي الأخير «الباشا» وعن سبب اختيارك الموضوع وضرورته؟
القائد العام للثورة السوريّة الكبرى «سلطان باشا الأطرش» هو موضوع فيلمي الوثائقي الأخير، ولدى التمعن في الشعار الذي نادت به هذه الثورة «الدين لله والوطن للجميع»، وجدتُ بأنّنا أحوج ما نكون لتطبيقه، إضافة إلى رغبتي الشخصيّة في توثيق حياة هذا القائد، الذي لم يطمع بمركز أو بموقع حتى بعد استقلال الوطن، وجلاء المستعمر الفرنسي، بل فقط بقي في بيته ومزرعته، ولم يقبل أيّ مكافأة ماديّة أو منصب حكومي، ومن هنا وجدت بأنّه من الضروري أن نشير لهذا المثل لتقتدي به الناس في هذا الوقت بالتحديد، والمؤسسة العامة للسينما تجاوبت فوراً في الموافقة، وتقديم المعدّات اللازمة، وعرضناه في مهرجان سلطان باشا الإبداعي الأول مؤخراً، كعرض أول في محافظة السويداء، ولكن في دمشق لم يُعرض بعد، ولكن من الممكن أن نعرضه قريباً.

دائماً نقول ونشتكي أنّه لدينا مشكلة في الإنتاج والتوزيع السينمائي في المؤسسة العامة للسينما، أين تكمن المشكلة برأيك مع العلم بأن لا أحد يسعى لطرح حلّ حقيقي؟
السينما مرتبطة بتطور المجتمع ومدى رقيّه، والموضوع لدينا هو همّ وطني، ولا يجوز إلقاء اللوم على المؤسسة العامة للسينما؛ فأولاً هي الجهة الوحيدة المنتجة للأفلام، وثانياً لولا وجود هذه المؤسسة لما كان هناك فيلم سوري أصلاً، فالمؤسسة لا تستطيع أن تحل الهمّ بمفردها، وعلى الجميع أن يتكاتفوا لإيجاد الحلّ، ففي بعض الدول كانت المولات التجاريّة تقدّم حلاً من خلال تخصيص ركن منها لعرض الأفلام في صالة سينمائيّة، وهناك المزيد من الأفكار الناجحة، وعموماً لدينا في سورية 400 مركز ثقافي، وفي كلّ واحد منها يوجد مكان لعرض الأفلام، وأجهزة إسقاط، وهذه هي إحدى الحلول المتوافرة بين أيدينا، وغير المفعلة للأسف.

الجائزة والتكريم أشياء تلاصق العمل الإبداعي المميّز فماذا يعني لك ذلك؟
ذلك ما يمنح الشخص حافزاً لتقديم الأفضل فيما بعد، فهو اعتراف بإبداع الشخص، لكنه ليس همّاً بالنسبة لي، فهمّي دائماً أن يكون الفيلم هادفاً، ويتحدث عن قيمة، وأنّ أكون راضياً عنه. وإنّ جاءت الجائزة في وقت مناسب غير متوقع فهذا هو الأجمل، وذلك ما حصل معي في طهران عندما نلت جائزة مصطفى العقاد على الرغم من مشاركة أفلام كثيرة، وأيضاً في مهرجان تطوان إذ لم يكن في اللجنة إلا عربي وحيد هو «حسين فهمي» فقلت لنفسي من الممكن ألا يتفهموا فيلماً سورياً، لكن تفاجأت بنيلي الجائزة الكبرى، وأنّ الفيلم وصل إلى جمهور غير عربي.

بين البيئة والفكرة والموضوع كيف يمكن لغسان شميط تبسيط الصورة السينمائيّة وتقديمها للمتلقي؟
من الممكن أن يبدأ الاختلاط في الفهم مع بداية الفيلم؛ لكن مع متابعة المتفرج للقصّة سيجد شرحاً وافياً ليفهمها، والغاية الأساسية لديّ من الفيلم السينمائي هي قصّة يجب أن أرويها من خلال فكرة أساسية، وكلّ فيلم يتطلب أسلوبيّة مختلفة عن الآخر، وعموماً تتحدث أفلامي عن قصص مرتبطة بالبيئة الجبليّة وبأهل المنطقة الجنوبيّة، وهذا يشكل لي حافزاً لطرح فكرة يعاني منها عدد كبير من الناس، كما في فيلم «شيءٌ ما يحترق» وقضية النزوح التي طرحتها فيه، أو فيلم «الهويّة» و«الطحين الأسود» ومسألة التقمّص فيهما، وفي «الشراع والعاصفة» ابتعدت عن البيئة الجبليّة الساحليّة لكنني قدّمتها في موضوع إنساني أطرح فيه مشكلة عامة أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن