ثقافة وفن

باسم دحدوح العمل الفني مرآة لذات الفنان

| سوسن صيداوي

ليس سهلاً أن تحقق الدهشة للآخرين، ليس سهلاً أن تكون علامة فارقة، أو أن تكون مرجعية يُقتدى بها. كما أنه ليس من السهل أن يغلب طبعك تطبعك، وتتحدى الظرف القاسي وتخرج من ذاتك لتحتضن الإحساس العالي وتصوغه مع أفكارك وخيالاتك، رغم أنك محبوس ومقيد بأحداث الظرف. الفنان التشكيلي باسم دحدوح، هو بالذات قادر على تغييب الشعور والعمل على الحالة الحسية العالية في بناء لوحات فنية تجمع بين الخير والشر والأبيض والأسود، لوحات تجتمع مع بعضها كي نعرف المضمون الذي كان الفنان يفكر فيه عند العمل عليها، وخاصة أنه شاهد على الحياة ولا يفضل أن يجامل الجمهور.
برعاية وزارة الثقافة، افتتح الوزير محمد الأحمد معرض الفنان باسم دحدوح، الذي يضم 25 لوحة تشكيلية بعنوان (الثور الإنسان- الإنسان الثور)، والمقام في صالة الآرت هاوس بدمشق، مستمرا لغاية 10 أيار.

اللوحة لا تقول كل شيء
افتتح وزير الثقافة المعرض، وفي تصريح له قال: «ذكرني المعرض بما قاله الشاعر نزار قباني عندما سُئل عن الشكل الشعري… بأنه يجب ألا يكون وثناً لأحد، بل لابد من إحداث ما يسمى الانقلاب من داخل هذا الشكل، لأننا نحن الذين نخلق الشكل، لا الشكل يخلقنا. هذا حقيقة ما تكون لدي من انطباع عن هذا المعرض المهم جداً، حول ثيمة «الإنسان الثور أو الثور الإنسان». ‏ومن خلال الفنان باسم ولوحات معرضه هذا، لا تشعر بوجود تابوهات، بل على العكس تشعر بحرية كبيرة بقصد الشكل المروي، وخلال مشاهدتي للوحات كنا نتكلم عن اللون والخط، فالفنان من أساتذة هذا الفن، وهو قادر على تحقيق التوازن الخطر بين المسألتين، كما شعرت، وهذا أمر لا يراودني كثيرا، بأن اللوحة الواحدة لا تقول كلّ شيء، وإنما تتدرج المقولة من لوحة إلى أخرى، وربما يحتاج الفنان لعدة لوحات لكي يصل إلى المضمون الذي يريده، حقيقة أنا سعيد بهذا المعرض، وسعيد أنه في سورية وخلال هذه الأزمة، بأننا نستطيع أن نستنبط من الأزمة التي مررنا فيها فنا رفيعا، وأنا أعتقد دائماً أن قدر الأمم العريقة أنها تقدم فنها الراقي سنوات الشدة».

دحدوح… أنا شاهد على الفترة
استطاع الفنان باسم دحدوح أن يحقق غايته في معرضه، وهو تحقيق المفاجأة للمشاهد، الذي يرى، للمرة الأولى، الأشياء متشابهة، لكنه بعد أن يتعمق بها، يجدها مختلفة، وهي في حقيقة عالمها تشبه الرسام وليست غريبة عنه، حيث أضاف: «أنا سعيد جداً لأنني قادر على تحقيق الدهشة، فسماعي بالدرجة الأولى من خلال اللوحات بأن أحقق الدهشة للمتلقين. وبالنسبة للشخوص، في البداية هي تشبه امرأ معيناً، كما لها علاقة بالظرف الذي نعيشه في هذه الفترة البشعة، وفي مراحل رسمي لها، من الداخل، أجدها تشبهني، وتشبه كل الأشياء البشعة داخلنا. والثور بمفهوم الميثيالوجيا دائماً هو رمز القوة والعنفوان، وأنا أتناوله برمزيته الشعبية «المتوّر» لأنني آخذ في عملي الجانب الحيواني منه، ولكن بوضع الرأس على الجسد البشري أقوم بأنسنة هذا الثور وأعطيه مسحة من الحزن. وبالطبع كان في بداية العمل على اللوحات هناك شيء من العنف والقوة والعنفوان، ولكن في آخر الأعمال كان هناك شيء من الانكسار، على ما يبدو أن العمل الفني بخلاصته، يجب أن يكون بالمرتبة الأولى مرآة لذات الفنان، وبالتالي أنا ابن فترة زمنية المفروض أن أكون شاهداً فيها. وفي اللوحات وبالعموم، لابد من وجود مساحة بيضاء، مساحة بين الخير والشر، فأنا أعمل على النقيضين الخير والشر الأبيض والأسود، وحتى في البناء الغرافيكي أكرس هذه الغاية، وهنا لابد لي من الإشارة إلى نقطة مهمة وهي، أنه أحد أسرار اللوحة ذات القيمة، تكون في البناء الغرافيكي، المدروس بطريقة علمية ومتوازنة، بمعنى يكون مريحا لعين المتلقي، والذي هو الحوار بين الأبيض والأسود وبين الخير والشر، وهو حوار بين الشعور واللاشعور، وهنا أقوم بتغييب الشعور، كي أعمل على الحالة الحسية العالية التي في داخلي ببناء غرافيكي عال، كما أنني كنت أحاول أن أؤطر الشخوص، حيث تحولت إلى صناديق وهو نوع من حصار الشخص، لأنني ببساطة أعمل في فترة زمنية، وفي مكان في سورية يعاني أزمة وفي حالة حرب ولا أريد أن أجامل الجمهور».

دحدوح… فهرس فني
من بين الحضور في المعرض كان الناقد أنور الرحبي الذي عبر عن رأيه في المعرض والفنان التشكيلي قائلا «باسم هو فهرس فني حقيقي تماما، للكشف عن الكثير من العورات الفنية، من خلال كشف طبي في الرسم، في إظهار المكنونات الآدمية البشرية، فهو ليس رساماً وليس عازفاً، بل هو قائد يدير هذه الجوقات البشرية بطريقة هو فيها معلّما، يعتمد على لون أو اثنين لكنهما قوام تجربته الذكية التي فيها الكثير من الحرفنة، باسم أنا أرفع له القبعة لأنه فنان متمكن ويرفع رأس الفنانين السوريين كلهم».

علامة بالعبقرية السورية
من بين الحضور في المعرض كانت الفنانة التشكيلية أسماء فيومي، التي كان لها رأيها في الفنان وفي لوحاته متحدثة «باسم من أهم فناني سورية وهو علامة ونقطة وإشارة إلى أن سورية فيها عباقرة، وعندما أرى هذا المعرض فهو يدل بأنه معرض لرجل عبقري، حتى إنه قد استعمل رأس الثور، والذي كله غباء، ووضعه على جسم إنسان، لأنه يحتج على الغباء في الوقت الراهن، فهناك أشخاص لا ترى الحقيقة. وفي اللوحات تجد الشخوص مقلوبة، والأبيض والأسود جميل جداً ومضغوط ضمن إطار عريض، وكأنه في تابوت، وهذا دلالة على الإنسان السوري في الوقت الراهن، وبالطبع العنف واضح، فهو يصور الإشكال في حياتنا وفلسفتها فكل الأمور متضاربة وفيها شيء من الغموض والغباء».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن