ثقافة وفن

نديم محمد.. شاعر العناكب والألم … الشاعر الذي تفتح وعيه على صوت الطلقة الأولى التي أطلقها الشيخ صالح العلي

| سارة سلامة – تصوير طارق السعدوني

نديم محمد، الثائر، المتذمر، الناقد، المتمرد.. يعد من أهم شعراء القرن العشرين، هو شاعر الألم والحرمان، شاعر الحزن، والعزلة، تميز شعره بالغنى والغزارة فقد أمضى أكثر من سبعين عاماً من عمره الذي ناهز السادسة والثمانين في كتابة الشعر، لم ينل خلالها حظه من الشهرة، حيث ظُلم بعدم الإضاءة على كتاباته إلا أن الكثير يعتقد أن الظلم وقع على الأدب والشعر ومتذوقيه، خصص نديم جزءاً كبيراً من شعره في مناهضة الاحتلال الفرنسي، وكتب عن الظلم والمعاناة، ومن أشهر دواوينه ديوان «آلام»، عاش حزيناً ومات وحيداً لاحقته الخيبات لكنها لم تمنعه من أن يكون شاعراً كبيراً.
ولإعطائه جزءاً بسيطاً من حقه علينا كسوريين وبرعاية وزير الثقافة محمد الأحمد أقيمت ندوة الأربعاء الثقافية الشهرية بعنوان «نديم محمد.. شاعر العناكب والألم»، وذلك في مكتبة الأسد الوطنية في دمشق، أدار الندوة الدكتور إسماعيل مروة واشتمل برنامجها على ثلاثة محاور الأول: «نديم محمد شاعر الألم»، و«نديم محمد وعصره»، و«تجربة نديم محمد الشعرية».

نديم.. مملوء بالإبداع الفني
وفي تصريح خاص لـ«الوطن»، أكد معاون وزير الثقافة علي المبيض: «أن هذه الندوة تأتي ضمن سلسلة من الندوات التي تقيمها الوزارة في الأربعاء الثالث من كل شهر، تلقي فيها الضوء على الرموز الثقافية والفنية في الثقافة السورية»، مبيناً أن «ندوة هذا الأربعاء تحدثت عن الشاعر نديم محمد المملوء بالإبداع الفني».
ووجه المبيض الدعوة «إلى جميع المتابعين للشأن الثقافي حضور هذه الندوات التي تعمل على زيادة الخلفية الثقافية التي نحتاجها في يومنا هذا وخاصة لما تتعرض له الثقافة السورية من تشويه وتزييف».

أهم شعراء القرن العشرين
وتحدث الأستاذ مالك صقور في محوره الذي جاء بعنوان «نديم محمد وعصره»، قائلاً إن «الحديث عن الشاعر نديم يتطلب العودة إلى القرن الماضي بكامله، إذ وُلد في العقد الأول من القرن العشرين، وغادر هذا العالم ملتحقاً بالرفيق الأعلى في العقد الأخير منه، مبيناً أن نديم يعتبر من أهم شعراء القرن العشرين، ليس في سورية فحسب، بل في الوطن العربي أيضاً».
وأضاف صقور إن «من المغري أن يطوف الباحث والقارئ في بستان نديم الوارف، والمثمر من شعر وجداني وقومي ووطني، ومن غزل ومديح، وفخر، ووصف، ورثاء، وهجاء، وعتاب» مبيناً أنه «ولد والبلاد ترزح تحت هيمنة الاحتلال العثماني، ووعى الحياة مع صدى الثورة العربية الكبرى حين قال من سُمي الشريف حسين: «طاب الموت يا عرب».
وأشار صقور إلى أن: «نديم تفتح وعيه على صوت الطلقة الأولى التي أطلقها الشيخ صالح العلي في وجه الاستعمار الفرنسي، وترعرع وكبر والبلاد تنتقل من تحت النير العثماني إلى نير المستعمر الفرنسي، ونضج في مرحلة الاستقلال وما تلاها من مراحل، مبيناً أن نديم كتب معرفاً بنفسه وكتب معرفاً عن حسبه ونسبه وأسرته، وقال في عام 1921م:
لقد زعموا بأن لنا إلهاً
ألا أن الجمال هو الإله
فقل للزاعمين برئت منهم
فإني لم أجد رباً سواه
وذكر صقور أنه «وبسبب هذين البيتين هدر دمه، على الرغم من حداثته، ففرّ من قريته ولجأ إلى عائلة في أعلى الجبال إلى أن عفي عنه بسبب وجاهة أبيه، مشيراً إلى أن نديم ألقى قصيدة طويلة وذلك في 6 أيار عام1926م، قال فيها:
أُسمِعتها في مستهل الصبا
أسطورة رحتُ بها معجبا
كانت بكفّ اللـه مجموعة
من كل نفس مثله بالإبا
شهيدة الإعجاب في صنعتها
فمرحباً بالموت يا مرحبا
وأضاف صقور «إن نديم درس في مدرسة «اللاييك» في بيروت وبعدها سافر إلى «مونبلييه» في فرنسا للحصول على إجازة الآداب الفرنسية، وبعدها إلى سويسرا لدراسة الحقوق، وإثر حديث مع القنصل الفرنسي الذي كان من عقباه توجيه السلطات السويسرية له إنذاراً لمغادرة أراضيها في حزيران عام 1930، وبعدها عاد نديم إلى ضيعته «عين شقاق»، وبعدها ازداد بغضه لفرنسا ولاسيما بعد أن أدرك كيف يتعامل المستعمر مع أبناء جلدته وكتب قائلاً: كنا قبضة من رفاق النضال، قليلة بعددها، كثيرة بمقاومتها وإيمانها، يضم علينا المنتدب الأحمق أصابعه الوحشية القاسية، فيلهب من حماستنا وجرأتنا عليه، ويذهله ويرهبه منا، عنفوان التضحية..».

نديم.. الشعر والشاعرية
أما محور «نديم محمد شاعر الألم»، فأضاءه الدكتور محمد رضوان الداية وتحدث عن الشعر والشاعرية عنده وقال إنه «إذا كان الدكتور طه حسين قد أثنى على ديون «آلام»، بعد أن أُهدي إليه وقرأهُ حين كان في زيارة إلى دمشق، فإن الشاعر نفسه قد نقل إلينا إحساسه وردود الفعل التي صدرت عن كثير من معاصريه على ذلك الديوان، وفي مؤتمر الأدباء العرب المنعقد في بلودان سنة 1956م، فقد قال: «الشاعر نديم لو لم يكتب إلا ديوانه «آلام»، لكان حرياً بالشعر العربي أن يضمه إلى فحوله الكبار، فهو في آلامه بلغ العلوّ الشاهق، ولم ينخفض إلى السّطح».
وأشار الداية إلى أنه «لا يصعب على الباحث في نديم محمد وشعره، أن يستخلص عناصر تكوينه الفكري والثقافي والاجتماعي والعاطفي والنفسي، من جهتين:
الأولى: ما سرده الشاعر من سيرته الذاتية في مقدمة الدواوين وفي مواضع مختلفة هنا وهناك في المقدمات وفي الحواشي لمناسبات مختلفة، والثانية: ما يُستنتج، ويُفهم من خلال أشعاره مما يورده صراحةً، أو يفصح عن شيءٍ قليل منه.».
وأضاف الداية إن «الشاعر كان يورد بعض قضاياه وأحواله وعلاقاته مع الناس من حوله: في قريته، وفي مجالات الوظائف التي كان يعمل فيها «وما يلبث أن يغادرها»، وحيث حلّ، ومرّ، واستقرّ» مبيناً أنه «من هنا فإن سيرته الذاتية موصولة بالملاحظات والحواشي والاستطرادات المبثوثة المتفرقة».
وبينّ الداية أن الدارس في عوالم الشاعر يلاحظ في سيرته الذاتية عدة أمور وهذه بعض منها: «طول عمر الشاعر، الذي امتد ستاً وثمانين سنة، تحصيله العالي في سورية، وخارجها، وتأهله «بناءً على ذلك» ليكون موظفاً ذا شأن مادياً ومعنوياً، إعراضه عن العمل الوظيفي، واشتباكه مع رؤسائه في العمل، أحواله وأمراضه الكثيرة، انغماسه في علمه الخاص الذي صنفه بنفسه، انطلاق لسان الشعر في أكثر دواوين الشاعر في قضايا المرأة، محاولة التقاط موقف الشاعر من الحياة عامة».

شاعر رومانسي
ومن جانبه تحدث الدكتور رياض العوابدة في محوره الذي اختار له عنوان « تجربة نديم محمد الشعرية»،: «نديم شاعر رومانسي من الدرجة الأولى، وكان للبعد الوطني أهمية كبيرة في شعره»، مشيراً إلى أن «العودة إلى هؤلاء الشعراء هو تذكير بأهمية الشعر السوري، ونديم كغيره من الشعراء الذين تأثروا بالمدرسة الرومانسية التي تمدّ ثقافتنا وأدبنا».
وأضاف العوابدة إن: «ومع بداية القرن 20 بدأت حركات شعرية مثل مدرسة الديوان وجماعة أبولو في مصر وشعراء المهجر في أميركا، وبدأت هذه المدارس تسعى إلى التجديد، وتميزت هذه المرحلة بوجود حركات تجديدية كثيرة، ما دفع شعراءنا للإفادة من النهضة الغربية بشكل كبير، والشاعر نديم تفنن بالكلاسيكية والرومانسية لكن الألم قضى على تحدياته، وترك نديم ديواناً شعرياً مؤلفاً من أربعة أجزاء، كما كُرم بجائزة وسام الاستحقاق السوري».

يغني الإنسان
وفي تصريح للصحفيين قال الدكتور إسماعيل مروة إن «نديم محمد ثائر من الدرجة الممتازة وشاعر من الطبقة العليا التي قلما يستطيع أحد أن يجاريها، ويعبر عن العروبة تعبيراً عظيماً، وهو الذي عاش في باريس ودرس في باريس لم نجد له شعراً خارج الشاعرية العربية، كما جدد في الأوزان وجدد في تنوع القوافي، والبحور، والتفعيلات، لكنه بقي ذلك الشاعر الذي يغني الأرض يغني الإنسان، يغني الوحدة، يغني العروبة يقاوم الفساد في أي مكان وجد هذا الفساد».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن