ثقافة وفن

دير سانت كاترين ملتقى الأديان ورسالة الرسول محمد «ص» … بحماية البدو المسلمين الموجودين في سيناء

| شمس الدين العجلاني

منذ أيام تناقلت وسائل الإعلام الاعتداء الإرهابي على دير سانت كاترين بجنوب سيناء في مصر، وتفاصيل هذا الاعتداء أن مسلحين أطلقوا النار من قمة جبلية على نقطة الشرطة الخاصة بتأمين دير سانت كاترين ما أدى إلى استشهاد شرطي وإصابة أربعة جنود.
استنفرت الحكومة المصرية لهذا الحدث الإرهابي لمتابعة تداعياته وتفاصيله وتبنى ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية المسؤولية عن الهجوم على الكمين الأمني.
ونقلت وكالة أعماق التي تنشر أخبار عمليات التنظيم عمن وصفته بمصدر أمني بالتنظيم قوله: إن «الهجوم الذي وقع قرب كنيسة سانت كاترين نفذه مقاتلو تنظيم الدولة».
ترى ما سر هذا الدير ومن سانت كاترين، وما دلالة الدير للديانتين المسيحية والإسلامية وما هي حكايته؟

سانت كاترين
هي القديسة كاترين وُلدت من أبوين مسيحيين غنيين في الإسكندرية نهاية القرن الثالث الميلادي. كانت تتحلى منذ صغرها بالحكمة والعقل الراجح والحياء. وكانت والدتها تعلّمها منذ صغرها محبة السيد المسيح، وتغذّيها بسير الشهيدات اللواتي كنّ معاصرات لها أو قبلها بقليل، وقدّمن حياتهن محرقة للَّه وتمسّكن بالإيمان حتى النفس الأخير. التحقت كاترين بالمدارس وتثقفت بعلوم زمانها، ودرست اللاهوت والفلسفة على أيدي أكبر العلماء المسيحيين حينذاك.
تحكي المصادر عدة روايات عن القديسة كاترين أنها تعرضت بسبب إيمانها إلى أشد أنواع العذاب على يد القيصر مكسيم يانوس الثاني في عام307 م. وفي شهر تشرين الثاني من العام نفسه أمر القيصر مكسيم يانوس بقطع رأسها. وتتابع المصادر المسيحية أنه بعد استشهاد القديسة كاترين في الإسكندرية بخمسة قرون رأى راهب في سيناء جماعة من الملائكة يحملون جثمانها الطاهر أو بقايا جسدها، ويطيرون به ويضعونه بحنان على قمة جبل في سيناء، انطلق الراهب إلى قمة الجبل فوجد جسد القديسة وكان يشع منه النور.
نُقل الجسد بعد ذلك إلى كنيسة التجلي في الدير الذي بناه الإمبراطور جوستنيان في القرن السادس، وعُرف الدير باسم دير سانت كاترين، وتم تصنيع تابوت خاص لبقايا جسد القديسة يحتفظ به حتى الآن في مذبح الكنيسة.
ويحكى أيضاً أن القديسة كاترين هي بنة حاكم الإسكندرية آمنت بالله في بدايات العصر المسيحي من دون بقية أسرتها، واشتهرت بقدرتها على إحالة الوثنيين إلى المسيحية، فأراد والدها أن يلهيها عن إيمانها بجميع المغريات ومنها محاولته تزويجها، لكن جميع محاولاته باءت بالفشل فأمر بتعذيبها إلى أن ماتت.

الدير
كان لجبل الشريعة مكانة عظيمة في المسيحية حيث أنشؤوا أشهر دير على مستوى العالم والذي أخذ شهرته من موقعه في حضن هذا الجبل وهو دير طور سيناء، الذي أنشأه الإمبراطور جوستنيان في القرن السادس الميلادي وتحول اسمه إلى دير سانت كاترين في القرن العاشر الميلادي.
وفى العصر الإسلامي أنشأ الأمير أبو المنصور أنوشتكين مسجداً داخل الدير ومسجداً على قمة جبل الشريعة عام 500هـ 1106م في عهد الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله، حرص المسلمون على زيارته وزيارة جبل الشريعة أثناء رحلتهم للحج إلى مكة المكرمة وتركوا كتابات تذكارية عديدة بمحراب المسجد.
والآن يعتبر دير سانت كاترين واحداً من أهم وأشهر الأديرة المسيحية في العالم، ويقع على الجبل المسمى باسم القديسة كاترين في سيناء بقرب جبل موسى الذي تجلى عليه رب العزة وكلّم من فوقه النبي موسى.
يضم الدير خمسة أبنية من بينها الجامع الذي بناه أبو المنصور أنوشتكين.
يعد الدير مزاراً سياحياً كبيراً حيث تقصده أفواج سياحية من جميع بقاع العالم، كما يقوم المسيحيون بالحج إليه، ويدير شؤون الدير رهبان من الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية لا يتكلمون العربية لأنهم ليسوا مصريين أو عرباً، إنما هم من أصول يونانية حيث لا يتبع الدير بطريركية الإسكندرية، على الرغم من أن الوصاية على الدير كانت لفترات طويلة للكنيسة الأرثوذكسية الروسية. ويقوم بحماية الدير المسلمون البدو الموجودون في سيناء ويعرفون بـ«الجبالة» نسبة إلى أنهم من سكان منطقة جبل موسى، وقد تولوا شؤون الدير منذ القرن السادس، وهم من أشهر القبائل الموجودة في سيناء.
في العصر الإسلامي شهد دير سانت كاترين قمة ازدهاره حيث أضاف المسلمون عناصر معمارية لحماية الدير وبعض الأثاث الكنائسي، ويذكر الآن أن هنالك زخرفات في الدير وهي من القيشاني الدمشقي.
حافظ المسلمون على الأيقونات وهى صور دينية مسيحية، وتحتفظ مكتبة دير سانت كاترين وحدها بأكثر من ألفى أيقونة من أندر وأجمل وأهم الأيقونات في العالم، وحرصت دول عديدة على استضافة هذه الأيقونات في معارض خارجية وتعهدت حماية هذه الأيقونات من أن تمس بأي بسوء.

مكتبة الدير
هنالك في الدير مكتبة تحتوى على ستة آلاف مخطوط، منها 600 مخطوط باللغة العربية، إضافة إلى المخطوطات اليونانية والأرمينية والإثيوبية والقبطية والسريانية، وتعدد لغات المخطوطات يدل على تعدد القوميات التي عاشت بالدير على امتداد أربعة عشر قرناً. لهذه المخطوطات قيمة تاريخية واقتصادية واجتماعية وفلسفية أقدمها يعود للقرن الرابع الميلادي. وهى عبارة عن مستندات أباطرة وبطاركة ورؤساء وكهنة وزعماء وسلاطين وإيصالات وفواتير ومراسيم وفرمانات صادرة عن الخلفاء المسلمين لتأمين أهل الكتاب مثل مخطوط العهد النبوي الذي أعطاه الرسول «ص» طبقاً لتعاليم الإسلام السمحة كعهد أمان للمسيحيين يؤمنهم فيه على أرواحهم وأموالهم وكنائسهم.
ويحوي الدير أيضاً أيقونات من رسم مشاهير الفنانين من القرن السادس حتى الآن، وبه نفائس كثيرة وتحف وصور من صنع الرهبان.

رسالة الرسول محمد
تداول النشطاء منذ قرابة العام بشكل كبير جداً على مواقع نت ومواقع التواصل الاجتماعي، صورة لوثيقة قالوا إنها في دير سانت كاترين، وقالوا إنها رسالة من سيدنا محمد «ص» حملها الإمام علي بن أبي طالب إلى الدير يتعهد فيها بحماية المسلمين للمسيحيين ورعايتهم وضمان حرية العبادة والدعوة إلى دينهم ومؤرخة هذه الرسالة الوثيقة بتاريخ ٦٢٠ م.
الوثيقة بحسب آلاف النشطاء أثبتها عام ١٥١٧ م السلطان العثماني سليم الأول واحتفظ بالمخطوطة الأصلية في خزانة الدولة العثمانية في القسطنطينية.
هذه الوثيقة تحمل طبعة يد النبي محمـد «ص» وعدة شهود من الصحابة.
مئات الألوف من التعليقات كتبت عن هذه الوثيقة، مئات الألوف من صورها عبق بها محرك البحث غوغل واختلفت صور هذه الوثيقة بين موقع وآخر. وبغض النظر عن هذه النقاشات، وعن صحة الوثيقة، نقول هنالك الآن صورة لهذه الوثيقة معتمدة في دير سانت كاترين ويعتز بها جميع المسيحيين في العالم، وعدد كبير جداً من المسلمين بعد أن سرق المحتل العثماني النسخة الأصلية من الدير.
وتنص الوثيقة حسب عدد كبير من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي: «هذا كتاب محمد بن عبد اللـه، عهداً للنصارى، أننا معهم قريباً كانوا أم بعيداً، أنا وعباد اللـه والأنصار والأتباع للدفاع عنهم، فالنصارى هم رعيتي!
وتضيف الوثيقة حسب مواقع نت: «والله لأمنع كل ما لا يرضيهم فلا إكراه عليهم ولا يُزال قضاتهم من مناصبهم ولا رهبانهم من أديرتهم ؛ لا يحق لأحد هدم دور عبادتهم، ولا الإضرار بها ولا أخذ شيء منه إلى بيوت المسلمين؛ فإذا صنع أحد غير ذلك فهو يفسد عهد اللـه ويعصي رسوله.. وللحق أنهم في حلفي ولهم عهد عندي ألا يجدوا ما يكرهون… ولا يجبرهم أحد على الهجرة ولا يضطرهم أحد للقتال بل يقاتل المسلمون عنهم.
وتختتم الوثيقة: «إذا نكح المسلم النصرانية فلا يتم له ذاك من غير قبول منها.. ولا يمنعها من زيارة كنيستها للصلاة.. كنائسهم يجب أن تُحترم، لا أحد يمنعهم من إصلاحها ولا الإساءة لقدسية مواثيقهم… لا يحق لأي من الأمة (المسلمين) معصية هذا العهد إلى يوم القيامة».

قصتي مع دير سانت كاترين
كنت أسمع عن دير سانت كاترين في أثينا في عام 2009م من صديقة لها باع طويل في الشأن السياحي وكانت تنظم سنوياً رحلات منظمة إلى الدير معظم المشاركين بها من المسلمين، وفي شباط من عام 2011م حضر إلى أثينا نيافة المطران «دميانوس» رئيس دير سانت كاترين وهو المسؤول عن الدير وهو يوناني الأصل ويرافقه نيقولا فاديس وهو مصري يوناني ممثل دير سنت كاترين في أثينا، وزارونا في المنزل في أثينا ودار الحديث حول الدير وأهداني المطران صورة كبيرة رائعة للوثيقة التي كتبها الرسول محمد «ص» والموجودة نسخة منها في الدير مع كتاب طباعته فاخرة عن الدير يحتوي مجموعة جميلة جداً من الصور الحديثة والقديمة، وطبعا شرح لي السيد «فاديس» بشكل مفصل كل القصص والحكايا عن هذا الدير والتي استعنت بها لكتابة هذا المقال.
وطبعاً تختلف صورة رسالة محمد «ص» التي قدمها لي المطران عن باقي النسخ المتداولة على نت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي!
الرسالة الموجودة في الدير بطول ٧٧سم وعرض ٤٩ سم، في الطرف اليميني الأعلى منها دمغة كف لرسول اللـه أو الإمام علي الذي كتب بخطه الرسالة وحملها لأهل الدير، وأسفل الدمغة بحوالى ١٦ سم ختم مكتوب عليه السيد سليمان، وفوقه كتب طبق أصله الفقير لله بمصر (كلمتين غير واضحتين) السيد سليمان (ثلاث كلمات غير واضحة) ويبدو هذا هو تصديق العثماني سليمان على نسخة الرسالة الموجودة الآن بدير سانت كاترين بعد أن سرقوا النسخة الأصلية إلى اسطنبول.
والرسالة طويلة تبدأ بالقول: «سبب تحرير رقم فصيح اللسان وموجب تقرير رقم صحيح (كلمتين غير واضحتين)».
بِسْم اللـه الرحمن الرحيم
نسخة سجل العهد كتبه محمد بن عبد اللـه رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم إلى جميع النصارى هذا كتاب كتبه محمد بن عبد اللـه إلى جميع الناس أجمعين بشيراً ونذيراً ومؤتمناً على وديعة اللـه في خلقه ألا يكون للناس على اللـه حجة بعد الرسل وكان اللـه عزيزاً حكيما،ً كتبه لأهل ملته ولجميع من يتخذ دين النصرانية، مرت في الأرض ومغاربها قريبها وبعيدها(كلمة غير واضحة)معروفها ومجهولها، كتاباً جعله لهم عهداً فمن نكث العهد الذي فيه وخالفه إلى غيره وتعدى بأمره كان لعهدة ناكثاً ولميثاقه ناقضاًً وبه مستهزئاً وللغبن مستوجباً سلطاناً كان أمره من المسلمين المؤمنين وإن احتمى راهب أو سائح في جبل أو واد أو مغارة أو عمران أو سهل أو رمل…».
وقد وقع على الرسالة مجموعة من الصحابة منهم «علي بن أبي طالب، أبو بكر بن أبي قحافه، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، أبو الدرداء، أبو هريرة، عبد اللـه بن مسعود، عباس بن عبد المطلب».
واختتمت الرسالة بالقول: « كتب علي بن أبي طالب هذا العهد بخطه في ( كلمة غير واضحة) النبي صلى اللـه عليه وسلم بتاريخ الثالث من محرم ثاني سني الهجرة وأودع نسخته في خزائن السلطان».
وبعد:
وبعد فإن يد الغدر والإرهاب ومشغليها يحاولون الآن الاعتداء على دير سانت كاترين لما يشكله من أهمية كبيرة لدى الديانتين المسيحية والإسلامية، ولأنه من أشهر وأعرق الأماكن المقدسة في العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن