ثقافة وفن

يفغيني إيفتوشينكو: آخر عمالقة الشعر السوفييتي .. الشاعر الذي احتشد عشرة آلاف شخص لسماع قصيدته «الحرية لثلاث دقائق»

| مها محمد محفوض

وصفته مؤسسة RBTH الثقافية الروسية بالشاعر الأسطوري السوفييتي والروسي وأنه الأخير من جيل الأيقونات وشعراء الملحمة لأعوام الستينيات من القرن الماضي الحقبة التي عرفت باسم «ذوبان الجليد» في عهد خروتشوف، أشعاره لاقت صدى في قلوب الملايين ترك إرثاً شعرياً هاماً للثقافة والأدب في روسيا.
يفغيني إيفتوشينكو الذي رحل في الثاني من نيسان الجاري عن عمر 85 عاماً كان يقيم في الولايات المتحدة منذ أواخر التسعينيات حيث يعمل أستاذاً في جامعة تلسا ولاية أوكلاهوما وكان قد اشتهر في الغرب أكثر من سولجينتسين لكن ووفقاً لوصيته تم دفنه في ضاحية «بيريديلكينو» قرب موسكو وقد عبر الرئيس بوتين عن تعازيه لعائلة الشاعر بالقول: «إيفتوشينكو كان شاعراً كبيراً وكان إرثه جزءاً مكملاً للثقافة الروسية».

ولد إيفتوشينكو في سيبيريا عام 1932 لأبوين يعملان في الجيولوجيا وخلال الحرب عادت العائلة إليها بعد أن كانت قد استقرت في موسكو حاول الشاب منذ صغره العمل في منشرة ثم في مزرعة وكان يذهب بصحبة أبيه إلى أعمال التنقيب في كازخستان، شغف بالشعر منذ صغره وكثيراً ما ألهمته غابات الصنوبر بحسب قوله لينشر أول أشعاره عام 1949 وبعد ثلاث سنوات صدر له أول كتاب بعنوان «كشافة المستقبل» جلب له الشهرة ليصبح بعدها أصغر عضو في اتحاد الكتاب السوفييتي ويدخل معهد غوركي للآداب ثم شغل مناصب رسمية وهكذا لمع اسمه منذ أواخر الخمسينيات حيث أخذت أشعاره تحاكي وجدان الناس وتعبر عن تطلعاتهم خاصة لدى جيل الشباب والطلبة حيث أسمع صوتاً ضد التقاليد.
أما الذي ميز إيفتوشينكو كثيراً فهي طريقة إلقائه للشعر وحضوره المتميز وصوته المؤثر الذي يجذب الجمهور ويثير حماسة تميز بقدرته على الإلقاء لساعات طوال دون تعب كان يتلو أشعاره في متحف البوليتكنيك بموسكو أمام حشود كبيرة وفي مدرجات الملاعب وفي المعامل وصالات المؤتمرات حيث يأتي عشرات الآلاف لسماعه.
في العام 1962 احتشد عشرة آلاف شخص لتحيته قبل ذهابه إلى كوبا التي كتب لها قصيدة بعنوان « الحرية لثلاث دقائق» يصف فيها اقتحام الثوار لمبنى الإذاعة في كوبا وإطلاقهم نداء للشعب استمر ثلاث دقائق في عهد باتيستا، له مجموعة شعرية عن غيفارا ونضال شعوب أميركا اللاتينية كان صديق كاسترو ونيرودا وناظم حكمت وأراغون ومحمود درويش، توجه إلى طبقة البروليتاريا وإلى الناس البسطاء أيضاً كتب قصائد باللغة الإسبانية التي يجيدها وترجمت أشعاره إلى سبعين لغة وقد وصفها البعض بأنها على غرار قصائد ماياكوفسكي والبعض الآخر رأى فيه وريث بوشكين، كان مخلصاً للسلطات السوفييتية أهدى دواوينه إلى لينين وستالين ليلقى بعدها الانتقادات في أوساط أهل الفكر ومنهم جوزيف برودسكي في العام 1963 رشح اسمه لجائزة نوبل للآداب، له أكثر من 150 عملاً بين مجموعات شعرية وقصص وروايات وأغانٍ كتب في المسرح والسينما وعمل كمخرج وممثل سينمائي أيضاً هو فنان تشكيلي، أسس في بيريديلكينو «بلدة الأدباء» متحفاً يضم لوحات لفنانين معاصرين ولوحات أهداها له بيكاسو.
من أشهرمجموعاته «الثلج الثالث» و«الوعد» و«التفاحة» أيضاً له عدة مؤلفات في النقد الذاتي أما مقطعه الشعري من قصيدته «براتسكي» الذي يقول فيه: «شاعر في روسيا هو أكثر من شاعر» فقد أصبح كقول مأثور بل بيانه الشخصي ما يشير أيضاً إلى مكانة الشعر لدى القراء الروس.
كتبت عنه صحيفة لومانيتيه الفرنسية تحت عنوان: «الشاعر الذي ملأ الساحات» هو أحد رموز الانفتاح الثقافي بعد حكم ستالين شغل بمصير بلده والقضايا الإنسانية بحث عن العدالة كان أكثر من شاعر أثر كثيراً في الزمن الذي عاش فيه، سحر القارئ بإيقاعه وصوره، شكل مع روبرت روجدستفينسكي واندريه فوزنيسينسكي وبيلا آخمادولينا (زوجته السابقة) رموز «ذوبان الجليد» العقائدي في تلك الحقبة فمابين الأعوام 1956- 1966حظي هؤلاء بشعبية كبرى خاصة في أوساط الشباب الذين كانوا يملؤون مدرجات الملاعب لحضور تلك الأمسيات فيما سموه بـ«يوم الشعراء» وتأتي وفاة إيفتوشينكو ليسلط الضوء على آخر من كان يحرك المنابر ويجسد الأمل لهؤلاء الشباب، في العام 1968 وقع مع جان بول سارتر عريضة تدين محاكمة صديقه الشاعر برودسكي على حين انتقد الكاتبين اندريه سينيافسكي ويولي دانييل اللذين اعتقلا في ذلك الوقت ودافع عنهما أراغون وبعض الشعراء التقدميين».
بعد تفكك الاتحاد السوفييتي دخل إيفتوشينكو في أول برلمان ثم ما لبث بعد سنوات قليلة أن ذهب إلى الولايات المتحدة ليقضي العشرين سنة الأخيرة من حياته فيها لكنه وفي كل صيف كان يعود إلى منزله الريفي ويقيم أمسيات شعرية تلقى ترحيباً كبيراً في الأوساط الثقافية الروسية في العام 2015 قام بجولة كبرى في أنحاء روسيا وأنشد أشعاره في 26 مدينة روسية، ثم يعود أخيراً ليدفن في «بلدة الأدباء» غير بعيد عن ضريح بوريس باسترناك.
من قصائده الشهيرة: «يد امرأة» التي يقول فيها:
دائماً هناك يد امرأة
لكي تهدئك بحنان وحب
دائماً هناك كتف امرأة لكي تتنفس عليه بحرارة
وتدفن رأسك فيه
تأتمنه على حلمك المضطرب
دائماً توجد عينا امرأة لكي تبدد ألمك
وهناك يد امرأة عذبة
حين تلامس جبينك المتعب
تأتيك كالقدر كالخلود.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن