من دفتر الوطن

هل نحن شعب متدين؟

|  عبد الفتاح العوض 

قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال المربك، يمكن أن ننطلق من مظاهر عامة ترسم ملامح من شخصيتنا، التي تظهر بأشكال مختلفة، لكنها بالنهاية ترسم الصورة العامة التي بدورها تقودنا إلى سلوك معين.
هذا كلام يحتاج إلى توضيح بالأمثلة:
نحن مجتمعات هجينة، ودولة علمانية لكنها تتصرف كدولة دينية، ودولة اشتراكية لكن تنتهج الرأسمالية، ومجتمع يشتم التجار ومعظمه يتحول إلى تجار وحتى الطبيب يصبح تاجراً بالأمراض والمثقف يفتح متجراً للمواقف!
هذه الازدواجيات لا تشكل تناقضاً فقط في الفكر بل تتحول مع التكرار والقبول الاجتماعي إلى سلوك مجتمعي متواطأ عليه.
لهذا ونحن نحاول الإجابة عن السؤال المربك فيما إذا كنا شعباً متديناً أو شعباً غير متدين، لا ينبغي أن نضع الدين العنصر الحاسم في الموضوع.
طبعاً مع الإشارة إلى الفارق بين الدين والتدين، وأفضل تشبيه لذلك أن الدين يشبه أساسات البناء على حين التدين هو ما يقوم كل شخص أو جماعة بالبناء عليه شكلاً ومحتوى، والدين إلهي والتدين ترجمته البشرية.
ثمة دراسات علمية ناقشت قضيتين في موضوع التدين:
القضية الأولى علاقة التدين بالذكاء وبالمستوى التعليمي، وقد أجريت هذه الدراسات في مجتمعات غير عربية، وهناك كتب علمية بنيت على هذه الدراسات، ولست بصدد عرضها لسببين: أنها لم تكن في مجتمعاتنا، والثاني أن فيها بعض الاختلافات في النتائج بين مجتمع وآخر.
القضية الثانية وهي جداً مهمة لها علاقة بالتدين والصحة النفسية في المجتمعات، وقد أظهرت هذه الأزمة مدى الهشاشة النفسية التي يعانيها المجتمع السوري بحيث تم التأثير فيه بطرق كثيرة وأخذه الآخرون في اتجاهات متعددة ومتناقضة، وكان سهل الانقياد العاطفي والنفسي، وكذلك سهل الانقلاب على ما كان يتحدث عنه كمبادئ عامة.
لكن من جهة أخرى فإن تدين المجتمع السوري تدين متسامح ومرن وفي الصورة النمطية للرجل المتدين نقاط بيضاء، وعندما تقول عن شخص ما إنه «صاحب دين»، فأنت تثني عليه بغض النظر عن الدين، ناهيك أن صورة رجل الدين، رغم ما تشوهت به خلال التاريخ السوري، إلا أنه لا يزال يحظى بالاحترام حتى لو كان بعضه ظاهرياً.
إذا أردنا أن نربط بين كل هذه الخطوط المتشابكة فسنخرج بملامح لتدين المجتمع السوري، ولعل أبرزها أننا مجتمع يحترم التدين ولا يمارسه، وأن التدين السوري وسطي ومعتدل، وكثير من التدين ظاهري ولا يدخل إلى كل سلوك المجتمع ناهيك أنه انتقائي.
فما فعلته الدول الهجينة فعلته مجتمعاتها أو ربما العكس، ما فعلته المجتمعات سلكته السلطات، أي تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر، وتؤمن بشيء وتعبد شيئاً آخر، وتحترم شيئاً وتتعامل مع الشيء الآخر، مثل الرجال يعشقون امرأة ويتزوجون غيرها.
أقوال:
• التدين المغشوش قد يكون أنكى بالأمم من الإلحاد الصارخ.
محمد الغزالي
• أغلب التدين شكلي وما يلبث أن يتحول إلى جدل وشجار وتناحر.
مصطفى محمود
• في ظل التدين الشكلي الذي نعيش فيه أصبح لا أحد يخاف من النار إلا من يعمل بالمطافئ.
جلال عامر

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن