قضايا وآراء

هل توقف واشنطن محركات الإرهاب.. وتحدث المعجزة..؟!

عبد السلام حجاب : 

 

ليس مغالطة للواقع الدولي الراهن، وما يشي به ربع الساعة الأخير من احتمالات قبل الجنون، أن يأخذ مراقب سياسي باعتباره عدة فرضيات لا يستبعد من بينها فرضية «طوبى لصانعي السلام» حيث إن العالم يقف على شفير تداعيات متشظية شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، بما فيه ما يطلق عليه قسراً الشرق الأوسط بنفطه وغازه والكيان الصهيوني.
ولن يكون مغايراً بالتحليل السياسي، النظر إلى ما يشي به حديث افتراضي للوزير الأميركي كيري على طاولة الاجتماع في فيينا مع نظيره الروسي لافروف تنفيذاً لفحوى المحادثة الهاتفية بين الرئيسين أوباما وبوتين في 25 حزيران الفائت، وأن كيري بادره بالقول: «لقد حان وقت التسويات وما كان مفيداً بالأمس لم يعد اليوم كذلك ولم يعد ممكناً أن نفعل أكثر مما فعلنا. إن الحرب المباشرة ليست خياراً صالحاً لأحد. وذوو الرؤوس الحامية في حلفنا، بما يمثلونه من أحقاد وأطماع، غير قادرين على تحمل أعبائها وتداعياتها اللاحقة. ويريدونها بجنودنا أو بالإرهاب المعولم أو بالاثنين معاً. وهو أمر لا يعني عدم سعينا باتجاهه لتحقيق كامل مصالحنا لكنه بات صعباً ومعقداً والخسائر فيه أكبر بكثير من المكاسب»!؟.
لا شك بأنها صورة افتراضية.لكن المحادثات جرت بين وزيري خارجية دولتين قطبين في عالم اليوم. وتصريحاتهما عقب اجتماع فيينا وما لحقته من تسريبات صحفية، أكدت ضرورة اعتماد مقاربات سياسية باتجاه التوصل إلى تسويات للملفات الساخنة وفي مقدمتها ملف الأزمة في سورية على قاعدة إيقاف محركات الإرهاب وإبطال مفاعيل مولداته وفق صيغ سياسية تحصن العالم من أخطاره وتعيد الاعتبار لمبادئ القانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن بدءاً بالقرار 2170 وما تلاه من قرارات دولية ملزمة لمكافحة الإرهاب في سورية والمنطقة. وقد أكد هذا التوجه الوزير الروسي لافروف في تصريح له من موسكو بقوله: لا بد من توحيد جهود جميع من يدرك أولوية مكافحة الإرهاب وعلى هذا الأساس يمكن إيجاد حلول سياسية لتسوية الوضع في سورية والعراق واليمن وليبيا والمنطقة برمتها».
ولكن يبقى السؤال القائم والمشروع هل توقف واشنطن فعلاً، لا افتراضاً، محركات الإرهاب بحيث تتوافر في سورية والمنطقة فرصة للبناء السياسي اللاحق بعيداً عن الحرب بوساطة الإرهاب والتدخل متعدد الأجندات والأهداف في شؤون دول مستقلة وذات سيادة فتحدث المعجزة أم إن كلمة «نعم» في سياق ما بدا ظاهراً في محادثات كيري في فيينا تعني «ربما» بالنسبة للسياسي وأن كلمة «ربما» في السياسة تعني «لا» بحسب رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل في مذكراته.
ولعله ليس بعيداً عن الاحتمالات والافتراضات لملاقاة حلول سياسية للواقع المتشظي الراهن وتداعياته. فإن الحكومات وأشباه الدول التي حملت الإرهاب على ظهرها مثل السفاح العثماني أردوغان وآل سعود ومشيخة قطر وملك الأردن بالتنسيق وتعدد الأشكال مع الكيان الصهيوني تعاني من معضلة البحث عن مخرج تتخلص فيه من تلك الأحمال القذرة بعد سقوط الرهان أو يكاد. ويوفر لها إمكانية تخفيف الخسائر ما أمكن بعد أن أصبح الإرهاب يضرب داخل أسوارها. الأمثلة كثيرة من تونس إلى الكويت ومصر وليبيا واليمن وفرنسا وفي مناطق أخرى قريبة وبعيدة. ما يجعل البحث عن مخرج آمن، مسألة حياة أو موت، ولم يعد يجدي الرهان عليه ومراقبة آثاره الكارثية.
وهو ما دعا إلى سلوكه الرئيس الروسي بوتين بتكوين تحالف دولي أو إقليمي يضم إلى جانب سورية دولاً مجاورة لها في المنطقة ووصفه الوزير المعلم بأنه اقتراح بحاجة إلى معجزة.
ولاحقاً أكد الوزير لافروف «أن هذا التحالف يجب أن يشمل الجيش العربي السوري والقوى التي تعمل للحفاظ على سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها».
في ضوء ذلك وما يمكن أن تحمله سياسة واشنطن مزدوجة المعايير فإن العالم يتابع بترقب وحذر يوم غد السابع من تموز حيث من المفترض توقيع الاتفاق النووي بصيغته النهائية بين إيران ومجموعة 5+1 وفقاً للقواعد والمبادئ التي تلبي مصالح الشعب الإيراني بما فيها مآلاته الايجابية على محور المقاومة الذي تشكل سورية قاعدته السياسية والميدانية، كما يتابع الجهود الروسية بالتحضير لعقد اللقاء التشاوري بنسخته الثالثة باتجاه الحل السياسي الذي يريده السوريون بقيادة سورية بعيداً عن أي أجندات خارجية تمهيداً للطريق إلى جنيف3.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى نقطتين مهمتين:
1- تأكيد أعلنه الوزير لافروف: بأن روسيا وإيران رفضتا التنازل أو التفاوض في المسألة الأوكرانية أو في الملف النووي الإيراني على حساب الموقف من سورية.
2- إعلان اورشاكوف مستشار الرئيس الروسي بأنه من المفضل ترك الرؤية القديمة جانباً، وتسوية الخلافات القائمة وتوحيد الجهود للتصدي للإرهاب.
وإذا كان من السابق لأوانه الجزم بما ستؤول إليه المعجزات فإن قراءة الوقائع والمستجدات تدلل على أن حرب الإرهاب التي تقودها أميركا على سورية بلغت حدود الفشل الذي لا يمكن تعويضه أو مداراته بالنفاق السياسي والتضليل الإعلامي، وحافة الكارثة التي لا يمكن تحمل نتائجها في مسار مملوء بالألغام والمصالح المتناقضة ما يعني أن الأمر بحاجة إلى أكثر من معجزة.
وبطبيعة الحال فإن سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد ستواصل تنفيذ قرارها الوطني في محاربة الإرهاب والتصدي لأجندات داعميه حتى دحره عن الجغرافية السورية سواء اعترف منتجو الإرهاب ورعاته بذلك أم لم يعترفوا، كما تفتح ذراعيها وعقلها الاستراتيجي لملاقاة المساعي السياسية للمبعوث الدولي دي ميستورا على قاعدة من الحقوق والانجازات التي حققها السوريون وجيشهم الباسل دفاعاً عن المبادئ والقيم وما تمثله من معادل موضوعي لتضحياتهم الكبيرة وصمودهم البطولي، وإذا كان رجال الحق في الميدان يكتبون بدمائهم عناوين سورية المتجددة فإن حتمية انتصارهم أصبحت على مسافة صبر ساعة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن