قضايا وآراء

«إدارة الجنرالات» تسعى إلى تمديد الأزمات

| صياح عزام 

يُجمع العديد من المراقبين السياسيين على أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أو بالأحرى «إدارة الجنرالات»، تعيد الأزمات المشتعلة في المنطقة إلى مربعاتها الأولى، وذلك من خلال سعي حثيث للتخلص مما يسمونه «إرث أوباما» ومن أي التزامات تأسست عليه، وبعض هؤلاء المراقبين، يصف هذه السياسة بـ«اللاسياسة»، وبعضهم يتحدث عن فقدان البوصلة والاتجاه، وصولاً إلى التخبط والارتباك، لكن الأصح أكثر أن ثمة سعياً أميركياً منهجياً ومنظماً لتمديد أزمات المنطقة وإعادة صياغة قواعد اللعبة في سورية والعراق واليمن، وصولاً إلى لبنان، ولكن كيف؟
في سورية، لكأن القيام بإتلاف الأسلحة الكيميائية بوساطة روسية لم يحصل، وعاد الحديث على أن سورية ما زالت تمتلك مخزوناً منها يقدرها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالأطنان، ومحاربة داعش تتراجع نسبياً لمصلحة ما يسمونه «ضرورة تحجيم إيران» والحد من نفوذها، هذا مع تعطيل مسار «أستانا»، وعدم إبداء الحماسة لمسار «جنيف»، كما عطلت إدارة ترامب لقاء ثلاثياً بين واشنطن وموسكو والأمم المتحدة لهذا الغرض.
إذاً، كل ما توصلت إليه إدارة أوباما من تفاهمات مع موسكو، وكل ما قاله ترامب المرشح أو الرئيس، قبل مسرحية خان شيخون وضربة الشعيرات، أصبح لا وجود له.
في العراق، بدأت سياسة أميركية جديدة تقوم على بلورة محور مناهض لإيران أو غير متجاوب معها على الأقل، ابتداء من رئيس الحكومة ومكونات سنية وكردية، ثم رسم دور أميركي في حفظ أمن العراق واستقراره في مرحلة ما بعد داعش من خلال إرسال قوات أميركية إلى الأراضي العراقية لتبقى هناك بشكل دائم، وصولاً إلى قطع طرق الاتصال البرية الإيرانية بين سورية والعراق، وكذلك قطع الخط الواصل بين بحريْ قزوين والمتوسط.
في اليمن، تضاعفَ التصعيد الحربي منذ مجيء ترامب، وغابت بعض الانتقادات لما يجري على أرضه باستثناء الإدانات للحوثيين وأنصارهم، ويعمل وزير الدفاع الأميركي الجنرال جميس ماتيس على توثيق العلاقات مع دول جوار اليمن، ويرفع الحظر عن صادرات السلاح لهذه الأطراف، ولم يبقَ هناك مكان للحديث عن الحلول السياسية إلا من باب «رفع العتب».
في لبنان، ستتوسع الإجراءات بحق حزب الله بحيث لا تقتصر على العقوبات المالية والاقتصادية فقط، بل قد تطول الأمن والسياسة والتوافقات اللبنانية الداخلية، وستمتد لتشمل كل من يؤيد الحزب من «حركة أمل» و«التيار الوطني الحر» و«تيار المردة» والأحزاب والشخصيات التي تناصره وذلك بالتنسيق مع السعودية وقطر وغيرهما.
أما إيران، فعلى شاكلة إعادة العزف على وتر «الكيميائي السوري» تسعى «إدارة الجنرالات» إلى فتح ما تسميه «الملف النووي الإيراني»، صحيح أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أكد التزام إيران بالاتفاق حتى 18 نيسان 2017 على حد تعبيره، لكن الرئيس ترامب يرى أن إيران «قد خرقت روح الاتفاق وإن لم تخرق نصوصه»! ما يعني أن ترامب له معاييره الخاصة التي تصل إلى حد التعامل بـ«الغيبيات» والبحث في «نيات ومشاعر إيران» وليس الحكم عليها من خلال ممارساتها وإجراءاتها الملموسة التي يجب أن تكون هي المعيار، وبالتالي تبدو إدارة ترامب وكأنها تسعى إلى استفزاز إيران وخلق مشكلة معها عمداً حتى لو التزمت تماماً بالاتفاق.
إذاً، كل ما تم في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ومنها: تفاهمات كيري اليمنية، وتوافقات لبنان، وإتلاف الكيميائي السوري، والاتفاق النووي الإيراني، كلها عناوين باتت لدى إدارة الجنرالات من مخلفات الماضي، ومن ثم المنطقة أمام معايير جديدة تنذر بتمديد أزماتها لسنوات عديدة قادمة.
لا شك في أن إسرائيل وبعض الحكام العرب، وخاصة الخليج والأردن، مسرورون لهذا التوجه الأميركي الجديد، فإسرائيل ترى مصلحتها الأولى، في تفاقم الصراعات بين العرب وهذه سياستها بالأصل، بينما تمديد الأزمات العربية يستنزف موارد العرب وطاقاتهم.
ولكن طال الزمان أم قصر، فإن حكام السعودية وقطر وغيرهم ممن أعمتهم مصالحهم الخاصة عن رؤية الحقائق ودفعتهم إلى التركيز على إثارة الفتن الطائفية والمذهبية وشن الحروب على أشقائهم العرب بالوكالة في سورية والعراق، وبشكل مباشر على شعب اليمن، وحدهم من سيدفعون ثمن تمديد هذه الأزمات وإطالة عمرها قبل أن يدركوا أن وعود أميركا لهم ستتبخر في الهواء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن