الأولى

أولويات ترامب.. ظرفية

| بيروت – محمد عبيد 

هي المحاولة الأولى، وربما لن تكون الأخيرة، التي تقوم بها الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة الرئيس دونالد ترامب لاستثمار وقائع مفبركة ومدسوسة كالتي حصلت في خان شيخون بهدف إحراج حلفاء وأصدقاء الدولة السورية سياسياً وإعلامياً في المحافل الدولية وأمام الرأي العام العالمي، ثم عزل النظام في سورية والنيل منه بعد «شيطنته» إنسانياً وأخلاقياً!
ودون الغوص في معرفة الجهات التي صنعت هذه الفبركات والدسائس، وهو أمر لن يتم السماح لأي منظمة دولية معنية البحث عنها، غير أن الوقائع السياسية التي تبعت خان شيخون، أظهرت وجود سيناريو جاهز ومستنسخ عن حالات سابقة مشابهة لها، يستوجب اتخاذ قرارات خاطفة وسريعة في مجلس الأمن الدولي لتشريع وقوننة الاعتداء المفتوح على الدولة السورية حتى إسقاط قيادتها ونظامها.
كان من الممكن لهذا السيناريو أن يجد طريقه للتنفيذ باعتبار أن الجريمة موصوفة ومصورة، وأن عناصرها الظاهرة مكتملة من حيث القتلى والشهود، والجاني هو دائماً ذاته، ومن ثم صار لا بد من معاقبته، لكن فات صُناع هذه الجريمة الانتباه إلى أنه لا يكفي تمرير بعض الصور أمام ناظري ترامب لتحفيزه واستفزازه ليتخذ قراراً بحجم غزو بلد ما أو تدمير دولة ونظام هذا البلد وذلك لأسباب عدة:
أولاً، أن تحديد حجم الضربة العسكرية وماهيتها يتعلق بالقدرات الفعلية للقوات الأميركية لتنفيذها في الأجواء أو على الأراضي السورية.
ثانياً، أن التغطية الجوية الروسية لمعظم الجغرافيا السورية كما الانتشار العسكري البري عليها، يفرضان دقة في اختيار أهداف هذه الضربة بحيث يتم تجنب أي تصادم ولو غير مباشر مع موسكو يستوجب رداً تلقائياً منها.
ثالثاً، أن التفكير بأي عمل عسكري لا بد أن يستبعد المواجهات الميدانية المباشرة وبالأخص منها الإنزالات الجوية التي قد توقع بعض أفراد المارينز بين أيدي قوات «معادية»، ما يعني أزمة ذات ارتدادات تنهي ما تبقى من الشعبية المؤيدة لترامب، التي شهدت تراجعاً غير مسبوق في تاريخ الرؤساء وفقاً للمدة الزمنية منذ يوم انتخابه.
رابعاً، أن أي ضربة عسكرية يجب ألا تستفيد منها الميليشيات الإرهابية المسلحة سوى بالقدر المتاح لها، بحيث لا تتمكن من قلب التوازنات المرسومة في الميدان، إلا إذا كان ذلك يصب في مصلحة تعزيز الخطاب السياسي والإعلامي لما يسمى التحالف الدولي حول الحرب المزعومة على الإرهاب.
ذلك كله، إضافة إلى انكشاف خواء الحملة الإعلامية، السياسية، الدبلوماسية، التي رافقت وتبعت الكشف عن واقعة خان شيخون وعدم نجاح القائمين بها بتسويقها وتوظيفها، استدعى قراراً من ترامب مسبوقاً بتحريض سياسي داخلي وأوروبي وإسرائيلي وتركي وسعودي، بتنفيذ عدوان على سورية، علّه بذلك يرد على التحليلات والقراءات الداخلية والخارجية كافة حول عدم تمكن إدارته حتى اليوم من صياغة رؤية إستراتيجية واضحة حول التعامل مع الأزمة في سورية كما حول كيفية مقاربة العلاقة مع الند الروسي الصاعد، ومع العدو الإيراني المتمدد وتباعاً مع حزب الله العصي على الاحتواء.
المفارقة أن هذا العدوان على سورية نسف أي احتمال لصياغة مثل هذه الرؤية بعدما عَقّدَ المشهد السياسي الدولي والإقليمي أكثر، وذلك نتيجة تصلب حلفاء سورية وشركائها في تمسكهم وتأكيدهم شرعية رئيسها بشار الأسد المستهدف المباشر من الحملة المذكورة التي سبقت العدوان، كذلك بسبب التظهير السريع لمتانة التحالف الثلاثي الروسي السوري الإيراني، وتصميمه على تنفيذ رؤيته المشتركة حول حربه على الإرهاب.
كثيرون راهنوا على أن خطوة العدوان على مطار الشعيرات ستكون بداية لإعلان إعادة ترتيب أولويات إدارة ترامب، بحيث يتم تقديم مسألة ما يسمونه «إسقاط النظام» على ما عداها، إلا أن الوقائع السياسية والميدانية أسقطت هذه الرهانات، لأن تلك الخطوة اليتيمة التي اتخذها ترامب كانت ظرفية ومحدودة المكان والتداعيات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن