قضايا وآراء

الأمم المتحدة: إلى أين؟

| عبد المنعم علي عيسى

أفرزت الحرب العالمية الأولى، ما بين عامي 1914-1918، إدارة عالمية أطلق عليها عصبة الأمم المتحدة التي شرعنت الوصاية أو الانتداب، على حين فقدت هذي الأخيرة شرعيتها ما بعد انتهاء الحرب الثانية بين عامي 1939-1945، ناهيك عن توجّه المنتصرين للاحتفاظ بمكاسب دائمة، فجاءت منظمة الأمم المتحدة بتركيبتها الحالية دونما حدوث أي تعديل يذكر عليها.
أصدر مجلس الأمن، ذراع المنظمة التنفيذي، ما بين العامين 1945-1991، أي العام الذي شهد انفراداً أميركياً للسيطرة على العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في 25 كانون الأول 1991 ما يقرب من 700 قرار على امتداد 46 سنة أي بمعدل 6 قرارات سنوياً أو يزيد قليلاً على ذلك، على حين أصدر ما بين 1991-2011، أي العام الذي شهد استيقاظاً روسياً كان مسبوقاً بمؤشر قوي هو الحرب الروسية الجورجية في آب 2008، ما يزيد على 1300 قرار على امتداد 20 عاماً بمعدل 65 قراراً سنوياً، كما أصدر المجلس ما بين 2011 إلى الآن نحو 300 قرار على امتداد 6 سنوات أي بمعدل 50 قراراً سنوياً.
ما يمكن استشرافه من البيانات السابقة حقائق عديدة أبرزها:
– حالت الحرب الباردة 1950-1991 أو نظام القطبية الثنائي من دون استفراد أي من القوتين بالهيمنة على العالم وهو ما أنتج عالماً يميل إلى الاستقرار وتقل فيه أزماته التي تستدعي توافقاً دولياً لحلها.
– استباحت أميركا العالم ما بعد عام 1991 حتى بات ملعباً لها تضع هي قوانينه وتفرض عليه قراراته حيث سيساعدها في ذلك الحال الروسية الواهنة في عهد الرئيس بوريس يلتسين بين عامين 1991-1999 وفيه بدت موسكو كتابع لواشنطن لا حول له ولا قوة، وهو أعجز من أن يقف بوجهها، الأمر الذي يفسر صدور تلك القرارات بغزارة كبيرة انطلاقاً من هشاشة المواقف واختلال ميزان القوى داخل المجلس بشكل صارخ لمصلحة من يستصدر تلك القرارات.
– تغير الحال السابقة ما بعد عام 2011 وصولاً إلى اليوم حيث ستظهر حالة تمرد روسية رافضة لنظام القطبية الأحادي وواعية في الآن ذاته لعالم متعدد الأقطاب، وهو ما تحقق بدرجة كبيرة لكن من دون أن يصل الأمر إلى حدود اعتراف الغرب وأميركا، بدور روسي يرقى لأن يكون قطباً آخر في مواجهة الأحادية الأميركية ولربما ساعد في ذلك حال الاقتصاد الروسي الذي يقي يحتل المرتبة السادسة على لوائح الاقتصاد العالمية.
لا يمكن بأي حال من الأحوال القول بأن غزارة إصدار القرارات إنما تمثل إدارة عالمية أكثر تنظيماً بقدر ما تمثل حالة هيمنة مفرطة للقوة الأميركية كما لا يمكن القول بأن الشح في إصدارها إنما يمثل إدارة عالمية أقل تنظيماً بقدر ما يؤكد على حال دولي لا توافقي وهو سائر حكماً نحو إرساء نظام دولي جديد يقوم على صعود روسي صيني، وتراجع في الدورين الفرنسي البريطاني ناجم عن المتغيرات الأوروبية الأخيرة، لكن مع إفساح المكان لدور ألماني بدا متململاً انطلاقاً من قوة اقتصادية عملاقة ترى أن واقعها السياسي لا يتناسب مع حجمها الذي تشغله بين نظيراتها العالميات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن