سورية

إدلب.. البحر الأسود والأكراد.. على الطاولة الثلاثية بين أردوغان وبوتين وترامب

| أنس وهيب الكردي

جيوسياسياً، تتقاطع مصالح روسيا والولايات المتحدة وتركيا حالياً في ثلاث بؤر هي البحر الأسود، شرق سورية حيث تتخوف أنقرة من نشوء حكم ذاتي يديره حزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي (بيدا) القريب من حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) المحظور تركياً، وأخيراً، محافظة إدلب التي انحصر النفوذ التركي إليها مؤخراً مع شريط صغير من الأراضي الحدودية في ريف حلب الشمالي يضم مدينة الباب. ويستعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الأسبوع المقبل في منتجع سوتشي على البحر الأسود، على أن يذهب منتصف الشهر المقبل إلى أميركا للاجتماع بالرئيس دونالد ترامب، وذلك قبل انعقاد قمة لحلف شمال الأطلسي «الناتو».
على رأس أولوية هذه القمة تشكيل قوة بحرية دائمة للحلف في البحر الأسود. وكان أردوغان نفسه قد أحبط العام الماضي، اقتراحاً أميركياً دعمته وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» بقوة.
ولموسكو مخاوف جدية من مساعي أميركا لعسكرة البحر الأسود، الأمر الذي لا يشكل إحباطاً للنجاحات التي حققتها روسيا في شرق البحر الأبيض المتوسط عبر إنشاء قوة بحرية دائمة هناك وتحويل مركز الإمداد في طرطوس إلى قاعدة بحرية، فحسب، بل تهديداً خطيراً لروسيا في حديقتها الخلفية، لم تشهده منذ الفترة اللاحقة على مؤتمر برلين عام 1878. هكذا، تتعقد الخيوط من حول هذه البؤر: البحر الأسود، شرق سورية، محافظة إدلب، وبينما تخطب موسكو وواشنطن ود أردوغان بخصوص البحر الأسود، يشكل شرق سورية رافعة ضغط أميركية على تركيا لضبطها استراتيجياً ودفعها للانخراط أكثر في خطط «ناتو» للبحر الأسود، وينطبق ذلك بالمثل على محافظة إدلب فيما يتعلق بروسيا وتركيا.
وتوسعت ساحة مناورة أنقرة في المنطقة. جاء ذلك جراء عداء إدارة ترامب لإيران وحزب اللـه بخلاف إدارة سلفه، وسعي هذه الإدارة إلى إدامة وجود قواتها العسكرية في شرق سورية وغرب العراق، والذي لن يكون له سند من دون مرساة إستراتيجية قوية مثل تركيا. كما صبت نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد، في صالح أردوغان الذي بات موقعه الداخلي أشد رسوخاً.
بناء على ذلك تحرشت تركيا بـ«وحدات حماية الشعب» الذراع العسكرية لـ(بيدا) في كل من جبل شنكال شمال العراق، وجبل كرا تشوك شمال شرق سورية. وأصر وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، على أن بلاده أبلغت موسكو وواشنطن قبل ساعتين من تنفيذ عملياتها الجوية في شمال العراق وسورية. ويتناقض هذا التصريح مع القلق العميق الذي أعربت عنه وزارة الخارجية الأميركية الاثنين، وتفقد قائد عسكري أميركي من قيادة التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم داعش في سورية والعراق، لمقر القيادة العامة لـ«الوحدات» الذي استهدفته الغارات التركية. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر في مؤتمر عبر الهاتف مع الصحفيين: «التحالف لم يوافق على هذه الضربات التي أدت إلى خسائر مؤسفة للأرواح في صفوف قوات شريكة لنا في قتال (داعش)»، لكنه أشار إلى أن بلاده تدرك مخاوف تركيا إزاء «العمال الكردستاني» فإن الضربات الجوية عبر الحدود تضر بجهود التحالف لمكافحة التنظيم المتشدد.
ورفضت الحكومة التركية هذه المواقف الأميركية. وقال وزير شؤون الاتحاد الأوروبي عمر جليك: «تركيا العضو في الناتو قصفت معسكرا إرهابيا زاره قائد عسكري أميركي، ثم يتبع ذلك تصريحات من واشنطن تعرب عن (قلقها)»، واستدرك قائلاً: «ما ينبغي أن نقلق بشأنه هو زيارة القائد الأميركي نفسها». ووصف التعاون بين القوات الأميركية وعناصر «الوحدات» في سورية، بـ«الأمر غير المقبول لتركيا، ومن شأنه تعكير صفو العلاقات القائمة بين أنقرة وواشنطن على اعتبار أنهما حليفتان في ناتو». وبدا أن مواقف واشنطن الكلامية لم تقنع قادة «الوحدات» بعدم وجود اتفاق سري أميركي تركي ضدهم، وهو ما قد يدفعهم إلى مزيد من الانفتاح على سورية وإيران وروسيا. وأكدت قيادة «الوحدات»، أن العدوان التركي يأتي لعرقلة عملية غضب الفرات، ولم يكن ليحصل «من دون علم قوات التحالف الدولي»، واستطردت «صمت التحالف أمام هذه الهجمات، يثبت صحة ذلك».
وبدوره أكد مسؤول مكتب «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي» المعارضة في الحسكة علي السعد أن الاعتداء التركي «ما كان ليكون لولا الموافقة الأميركية»، واصفاً هذه الموافقة بالرسالة لـ«قوات سورية الديمقراطية» التي تضم «الوحدات». وألمح إلى وجود «توافق تركي أميركي» لتسليم كامل شنكال إلى مسلحي «حزب الديمقراطي الكردستاني».
وامتد التوتر لأول مرة إلى مناطق عفرين، حيث قصفت المدفعية التركية أمس، مواقع تابعة للجيش السوري وأخرى لـ«الوحدات» الكردية فيما أسمته رئاسة الأركان التركية «رداً» على سقوط قذيفتي هاون على الأراضي التركية من مناطق سيطرتهما.
وذكرت الأركان في بيان لها، نقلته وكالة أنباء «الأناضول» التركية، أن قذيفة أطلقت من مدينة عفرين الخاضعة لسيطرة «حماية الشعب» أصابت مخفراً حدودياً تركيا في ولاية هاتاي (لواء إسكندرون السليب). وأضاف: إن قذيفة أخرى أطلقت من مناطق سيطرة الجيش السوري من دون أن يحددها، وأصابت مخفراً حدودياً آخر بنفس الولاية.
وفور تعرض المخفرين لاعتداء بقذائف الهاون، قامت المدفعية التركية المتمركزة في المناطق الحدودية، بقصف مواقع الجيش السوري و«الوحدات»، وفق قواعد الاشتباك، بحسب ما ذكرت الأركان التركية.
ويلمح البيان إلى ما يبدو أنه تنسيق بين الجيش السوري و«الوحدات» في ردهما على العدوان التركي. وامتد القصف التركي المدفعي إلى مواقع جديدة بريف الحسكة الشمالي وذلك في حين اشتد التوتر ما بين «الديمقراطية» والمليشيات المتحالفة مع أنقرة في محيط بلدة إعزاز بريف حلب الشمالي بعد العدوان التركي، والتي أحبطت على الأرجح مساعي واشنطن لتسليم «الديمقراطية» مناطق في تل رفعت المجاورة لميليشيا «لواء المعتصم».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن