سورية

سعي لاستئصال جبهة النصرة.. الاشتباكات تتوسع وتبادل تهديدات بين «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» … اقتتــال الغوطـــة تنافـــس إقليـــمي بنكهـــة الانتقــــام

| عبد اللـه علي

على وقع التطورات السياسية والميدانية وأهمها قرب انعقاد اجتماع أستانا، وتقدم الجيش على جبهة القابون، تواصل اقتتالُ الميليشيات المسلحة بعضها ضد بعض في الغوطة الشرقية لليوم الرابع على التوالي، دون ظهور أي بوادر للتهدئة خصوصاً بعد أن أكد «جيش الإسلام» نيته استئصال «هيئة تحرير الشام» بشكل نهائي، وسط مواقف متباينة من الفصائل الأخرى لم يخل بعضها من الغموض والالتباس. ورغم أن الهدف المعلن من «جيش الإسلام» هو القضاء على «هيئة تحرير الشام» إلا أن التهديدات المتبادلة بينه وبين «فيلق الرحمن» هي التي طغت على أحداث اليوم الثالث.
وأكد «جيش الإسلام» في رسالة وجهها أمس إلى «فيلق الرحمن» أنه «عقد العزم على حلّ هذا الفصيل (هيئة تحرير الشام) في الغوطة الشرقية وتقديم متزعميه للقضاء وإنهاء هذا الفكر الدخيل» وهي عبارات تدل على الاستئصال التام، لكنه أضاف «إذا أبيتم (الفيلق) المشاركة معنا في هذا العمل فإننا نرضى منكم الوقوف على الحياد» مشيراً في الوقت نفسه إلى «أننا رأينا منكم اصطفافاً واضحاً بل مؤازرة شديدة ودعماً بالسلاح» مع التشديد على أن «موقفكم هذا مرفوض من قبلنا جملة وتفصيلاً».
وقبل ذلك بساعات وجّه «جيش الإسلام» إنذاراً نهائياً إلى عناصر «هيئة تحرير الشام» طالباً منهم الانشقاق عن الهيئة ورمي السلاح مقابل العفو عنهم، كما كان لمدير المكتب السياسي في «جيش الإسلام» ياسر دلوان رسالة صوتية موجهة إلى الفصائل الأخرى في مسعى لطمأنتها وإقناعها أنها غير مستهدفة.
ولعل «جيش الإسلام» اضطر إلى بعث هذه الرسائل بعد أن أعلنت أغلبية الميليشيات والفعاليات المدنية في الغوطة كـ«أحرار الشام» و«فجر الأمة» والمجالس المحلية في عربين وحزة عن رفضها للهجوم واستنكارها لاستهتار «جيش الإسلام» بالأرواح والدماء، الأمر الذي جعله يبدو في موقف شبه معزول.
وسرعان ما أصدر «فيلق الرحمن» بياناً جوابياً على الرسالة الموجهة إليه، فنّد فيه اتهامات «جيش الإسلام» وشدد بلهجة لا تخلو من التهديد على أنه «ملتزم حتى الآن موقف الدفاع عن النفس ورد الصيال»، مطالباً «جيش الإسلام» «بوقف عدوانه بشكل فوري والانسحاب من المناطق التي سيطر عليها».
وبدأت الاشتباكات في الغوطة الشرقية يوم الجمعة في أعقاب هجوم مفاجئ شنه «جيش الإسلام» على معاقل ومراكز «هيئة تحرير الشام» في الأشعري وعربين وحزة، لكنها امتدت لاحقاً إلى أغلبية مناطق الشق الغربي من الغوطة الواقع تحت سيطرة «الفيلق» و«الهيئة» فوصلت إلى زملكا وجسرين والمحمدية وسقبا وغيرها، في ظل معلومات تؤكد وقوع أكثر من مئة قتيل في صفوف المتحاربين وعشرات الإصابات في صفوف المدنيين، ومن بين القتلى قيادات من «الهيئة» و«الفيلق»، كما سجلت عدة حالات لاعتقال إعلاميين وناشطين وحالات إطلاق نار على بعض التظاهرات التي خرجت في عدة مناطق للمطالبة بوقف الاقتتال.
وتنقسم الغوطة من حيث السيطرة عليها إلى شقين: الشق الشرقي يسيطر عليه «جيش الإسلام» وعاصمته مدينة دوما، والشق الغربي تسيطر عليه مجموعة من الفصائل هي «فيلق الرحمن» و«هيئة تحرير الشام» المسمى الجديد لـجبهة النصرة و«لواء الأمجاد» و«فجر الأمة»، وقد تمكن «جيش الإسلام» من إحداث اختراق هام في الشق الغربي، حيث سيطر في اليوم الأول من المعارك على أجزاء واسعة من بلدات الأشعري وعربين وحزة، وسط استمرار الاشتباكات على تخوم زملكا وبيت سوى وسقبا، وتكمن أهمية الشق الغربي من الغوطة أنه على تماس مع الأطراف الشرقية من العاصمة دمشق، وكان إبعاد «جيش الإسلام» عن هذه الأطراف من أهم النتائج التي حققها تحالف «فيلق الرحمن» وجبهة النصرة على معاقل «جيش الإسلام» العام الماضي.
ويبدو أن «جيش الإسلام» تعمد إطلاق هجومه الحالي في نفس اليوم الذي صادف مرور الذكرى الأول للصفعة المزدوجة التي تلقاها العام الماضي، في إشارة واضحة إلى رغبته في الانتقام، لاسيما أن ذلك تزامن مع تقدم كبير حققه الجيش السوري على جبهة القابون، متبعاً سياسة «التجزير» التي تقضي بفصل المناطق عن بعضها، وقد نجح الجيش سابقاً في عزل حي برزة، ويعمل على الفصل بين القابون وحي تشرين حيث لم يعد يفصله عن ذلك سوى نحو 500 متر.
غير أن الدوافع التي جعلت «جيش الإسلام» يشن حرب الإبادة ضد منافسيه، لا تقتصر على ناحية الانتقام وحسب، بل هناك عوامل إقليمية لعبت دورها في تسريع قرار «جيش الإسلام» ووضعه موضع التنفيذ، ويبرز هنا التباين بين موقفي الدوحة والرياض من المشاركة في الجولة المقبلة من اجتماعات أستانا، ومن بعض النقاط الأخرى المتعلقة بالأزمة السورية، إذ من المعلوم أن الدوحة تدعم كلاً من «الفيلق» و«الهيئة» على حين تدعم الرياض «جيش الإسلام»، ويبدو أن اتفاق الفوعة الزبداني الذي أشرفت عليه الدوحة، أثار مخاوف «جيش الإسلام» ومن ورائه الرياض بطبيعة الحال، خشية أن يصبح هذا الاتفاق صيغة مقبولة ويجري العمل على استنساخها بشأن حل ملف الغوطة الشرقية. وفي هذا السياق، كشفت مصادر في المعارضة «بأن الفصائل اتخذت قراراً بالمشاركة في اجتماع أستانا المقرر في 3 و4 أيار، ستعلنه رسمياً في اليومين المقبلين»، وأشارت إلى أن هذا القرار جاء على خلفية «معطيات وعوامل جديدة أضيفت إلى جدول الأعمال، وبسبب دخول جهات دولية جديدة راعية للمؤتمر، بعدما كان شبه محصور في روسيا وإيران وتركيا».
وقد شكك وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بجدوى انضمام أعضاء جدد إلى اجتماع أستانا، محذراً من «أن ذلك سيؤدي لتحويلهم إلى مجموعة أضعف مما يفترض» الأمر الذي فهم على أنه رفض سعودي للمشاركة، على حين لم تتخذ قطر موقفاً سلبياً من المشاركة وأكدت أنها تدرس «فرص توسيع دائرة المشاركين في عملية أستانا بما في ذلك انضمام الدوحة»، وفق بيان صدر عن وزارة الخارجية الكازخية في أعقاب لقاء جمع وزير الخارجية الكازخي خيرت عبد الرحمنوف مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في الدوحة قبل أسبوعين.
ورغم أن مشاركة قطر لم تقرر بشكل رسمي، إلا أنها تملك تأثيراً كبيراً على بعض الفصائل وقد تكون لعبت دوراً أساسياً في دفع الفصائل للقبول بالمشاركة.
ويدرك «جيش الإسلام» أن تقدم الجيش السوري في القابون سيؤدي في نهاية المطاف إلى عزل الغوطة الشرقية التي ظلت البؤرة الوحيدة المشتعلة في محيط العاصمة دمشق بعد أن خضعت أغلبية المناطق الأخرى لاتفاقات تسوية، وهذا يعني أن ما تبقى من الغوطة لا يحتمل تعدد الرؤوس ولا بد لأجل ذلك من استعادة مشروع زهران علوش قائد «جيش الإسلام» السابق الذي قتل بغارة روسية سورية مشتركة في أواخر عام 2015، والقاضي بالهيمنة على الغوطة ووضع قرار السلم والحرب فيها بيد جهة واحدة هي «جيش الإسلام» فقط، والغاية من وراء ذلك ليست مجرد الهيمنة وحسب بل هي دوافع إقليمية تتعلق برغبة السعودية بامتلاك ورقة قوة في محيط العاصمة، وكذلك برغبة «جيش الإسلام» تقديم أوراق اعتماد دولية بأنه هو الفصيل الذي يحارب «الإرهاب» ومن ثم هو الذي يستحق أن يكون الجهة المؤهلة للجلوس على كرسي المفاوضات في أي اجتماعات تعقد بخصوص الأزمة السورية.
ومن المتوقع أن تمتد الصراعات بين الفصائل إلى منطقة الشمال السوري، خاصة أن «هيئة تحرير الشام» تتمتع بنفوذ قوي هناك وبدأت بالتهديد أنها ستعمل على قطع طرق الإمداد أمام «جيش الإسلام» وهي طرق ملتوية ومخفية يسلكها الأخير لنقل إمداداته من الحدود التركية إلى مناطقه في الغوطة.
لهذه الأسباب وغيرها يبدو أن الغوطة الشرقية مقبلة على تطورات دراماتيكية من المحتمل أن تترك بصمتها على مصيرها بالكامل، خاصة أن الجيش السوري يراقب المعارك الجارية بين أعدائه عن كثب ويتربص بهم الدوائر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن