قضايا وآراء

المسألة الكردية.. نقطة اشتباك

| مازن بلال 

قبل عدة أعوام كانت واشنطن ترفض وجود حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) في أي مفاوضات بشأن سورية، على حين تذهب اليوم بعيداً باتجاه اعتماد ما يسمى «قوات سورية الديمقراطية» حليف أساسي في الحرب ضد داعش، رغم أن عماد هذه القوات هو حزب الاتحاد الديمقراطي، وما هو غير مفهوم طبيعة العلاقة المستقبلية بين الولايات المتحدة والسوريين الأكراد، في ظل صراع تركي ضد حزب العمال الكردستاني.
عملياً فإن الموقف الأميركي يترك الوضع في الشمال السوري كي يتخذ «فرصة توازن» جديدة، فهو غير مستعد للضغط على أنقرة لوقف اعتداءاتها على «قوات سورية الديمقراطية»، وفي الوقت نفسه، يزود الأكراد بمعدات عبر العراق تتجه مباشرة لأرياف الرقة، في حين يصبح التصعيد بين تركيا والأكراد حرباً لخلق توازن يحمل في داخله نقطتين:
الأولى، اهتمام الولايات المتحدة بنتائج ما يحدث، فهي ستتعامل في النهاية مع الطرف القادر على كسب الميدان، وعلى إدارة الصراع بشكل يضمن وجود قوة مستقرة في منطقة الجزيرة السورية.
هذه الإستراتيجية الأميركية ليست الجديدة، ففي عهد إدارة باراك أوباما بدأ الاعتماد على الأكراد، وتم اعتماد «قوات سورية الديمقراطية» كخليط لمكونات مختلفة عمادها «قوات حماية الشعب والمرأة» الكردية، ولكن على ما يبدو فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يذهب بعيداً في مسألة الرهان على توازن جديد، لأن مثل هذا الأمر سيشكل نقطة ضغط في المفاوضات بشأن الأزمة السورية، ويجعل من الطرفين الكردي والتركي في مواجهة مفتوحة تفضي لتدخلات دولية وإقليمية إضافية.
الثانية، منع روسيا من التعامل مع الملف الكردي بشكل مطلق، فموسكو لا تزال تطرح ضرورة مشاركة الأكراد في العملية السياسية، في حين ستؤدي سياسة واشنطن في ترك الصراع بين الأكراد وتركيا إلى عزل الموضوع الكردي عن الأزمة السورية، وإدخاله في مساومات إقليمية وفي شكل الشرق الأوسط عموماً.
وإذا كانت التقارير التي تتحدث عن قوات أميركية لمراقبة الحدود السورية التركية؛ فهذا يعني تحويل ملف الجزيرة السورية بكامله، نحو موقع مختلف يمكن الولايات المتحدة من صياغة علاقات إقليمية مختلفة، لأنها تسعى لوضع الأكراد ضمن حزام خارج الدول القائمة حالياً، وهذا ما قامت به في العراق، ولكن في الوقت نفسه، لا تريد لهذا الحزام أن يكتسب قوة تؤثر في الميزان الإقليمي القادم؛ فيتحول الحزام إلى دول يمكن أن تتحكم بمنافذ الطاقة أو حركة التجارة، فهذا «الحزام» يظهر في منطقة خطرة يمكن أن تؤثر في جميع دول المنطقة، ومن المفترض أن يشكل ضغطاً يضعف من بعض الدول الإقليمية مثل إيران، من دون أن يصل إلى حدود التحكم المطلق والإضرار بالإستراتيجية الأميركية وعلى الأخص تجاه إسرائيل وإيران.
الصراع المفتوح اليوم بين تركيا والأكراد في الشمال السوري هو ما يدفع البعض للحديث عن «منطقة حظر جوي»، ولكن هذه المنطقة لن تساعد الأكراد ما لم يتم تحديد دورهم ومستقبل علاقتهم مع الولايات المتحدة بدقة، وهو موضوع لا تريد الولايات المتحدة بحثه الآن وتتركه للتطورات القادمة، فمنطقة الحظر الجوي يمكن أن تشكل نقطة تصادم جديدة مع موسكو، وربما تلجأ لها واشنطن فقط لرفع سقف التفاوض مع روسيا ليس في سورية، بل في مختلف الساحات العالمية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن