قضايا وآراء

بين الإرهاب والديكتاتورية .. أردوغان يأخذ تركيا إلى المجهول

| د. قحطان السيوفي 

رجب طيب أردوغان السلطان العثماني داعية مشروع الإرهاب العالمي أصبح ديكتاتوراً يخوض معارك مستمرة مع الإعلام والقضاء، والمؤسسة العسكرية.
استغل الرئيس التركي محاولة الانقلاب في 15 تموز 2016، ليعتقل سبعين ألفاً من الضباط والقضاة والصحفيين وأساتذة الجامعة، وسرح من الوظيفة رؤساء جامعات وعمداء كليات ورؤساء تحرير وقضاة، وأغلق 1200 مدرسة و15 جامعة و50 مستشفى، منظمة العفو الدولية تقول إن 120 صحفياً تركياً سُجنوا سنة 2016، وهبطت الليرة التركية، والتضخم 11 بالمئة والبطالة 12 بالمئة.
أردوغان المتقلب في السياسة، وصاحب المشروع الإرهابي، الذي سهل ودعم دخول الإرهابيين المرتزقة إلى سورية، يقمع الأكراد ويعتدي على دول الجوار، ويتهم دول أوروبا الغربية بالنازية لأنها رفضت دخول وزرائه لحض الأتراك المحليين على التصويت بدعم الاستفتاء على التعديلات الدستورية حيث نال تأييد 51,3 بالمئة من أصوات الناخبين، رغم كل التحضير والتجييش الذي قام به أردوغان وحزبه.
ومن أبرز التعديلات الدستورية التي أقرت: عدم قطع رئيس الدولة صلته بحزبه، ويتولى صلاحيات تنفيذية وقيادة الجيش ويحق له تعيين نوابه والوزراء وإقالتهم، وإعلان حالة الطوارئ، ويتولى صلاحيات السلطة التنفيذية، وتعيين قضاة المحكمة الدستورية، والرئيس يُنتخَب لمدة تستمر خمس سنوات ويمكن أن يبقى في الحكم 14 سنة، أي حتى سنة 2029، كما يمكنه البقاء حتى العام 2034 إذا ما قرر البرلمان السماح للرئيس بالترشح لولاية ثالثة، وبالتالي أردوغان أصبح الحاكم الدكتاتور المطلق بعد أن فصّل هذه التعديلات على قياسه الخاص.
حزب الشعب الجمهوري المعارض، احتج على النتائج، وطلب إعادة فرز الأصوات، واحتج على العدد الهائل من أوراق الاقتراع غير الممهورة بخاتم رسمي، وعلى التزوير الذي رافق التصويت.
أردوغان لا يعترف بتقارير بعثة مراقبي «منظمة الأمن والتعاون في أوروبا»، ونائب رئيس حزب المعارضة العلماني بولنت تزجان دعا إلى إبطال الاستفتاء، وإنه سيطعن فيه أمام «المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان» وقال: إن القرار الوحيد الذي سينهي الجدل في شأن شرعية التصويت هو أن تبطل اللجنة هذه الانتخابات.
إن نظام أردوغان أصبح غطاءً دستورياً وقانونياً للديكتاتورية، والاستبداد في السلطة، والتعديلات الجديدة تضرب مبدأ الفصل بين السلطات، والهدف الحقيقي، تصفية خصومه ومنتقديه، وبالمقابل فإن جبهة النصرة الإرهابية كانت من أوائل المهنئين لأردوغان، صاحب مشروع الإرهاب العالمي، على نجاح الاستفتاء وشكرته على المساعدات والدعم الذي قدمه لها.
اليوم أردوغان يحاول إعادة تأهيل التنظيم العالمي للإخوان بعد أن انقلب على الجمهورية الأتاتوركية لإنجاز الجمهورية التركية الثانية ذات الأيديولوجية الإسلامية المستندة إلى الحلم العثماني؛ وليصبح المرشد الديكتاتور المجدّد لهذا التنظيم، بطبعته التركية.
ربما حقق الاستفتاء لأردوغان خطوة إضافية في مشروع تحوله إلى حاكم مطلق لتركيا، إلا أن فوزه بنسبة 51 بالمئة، ستجعل لانتصاره طعماً مريراً، وهذا الانتصار البخس كشف مدى التفتت والانقسام الداخلي التركي على مستويات عدة.
أردوغان استمر في حكم تركيا منذ 2003 واستخدم «النظام الرئاسي» حصان طروادة في معركته لقلب موازين القوى في تركيا ليصبح الدكتاتور المطلق،
إن تركيا «العلمانية» التي اسسها مصطفى أتاتورك تتلاشى ويتراجع دور المؤسسة العسكرية الحامية «للكمالية الأتاتوركية»، وأردوغان بدأ سلسلة خطوات تتجه نحو دستور ديني لاحقا، وبناء نظام لأسلمة الدولة التركية.
على الجانب الأوروبي، أعلنت الجمعية البرلمانية ألأوروبية وضع تركيا على لائحة المراقبة بسبب ممارسات وانتهاكات حقوق الإنسان في عهد أردوغان، لكن هذا دافع عن ارتكاباته باتهام أوروبا بمعاداة الإسلام، كأن المعارضين والمقموعين من قبل أردوغان، ليسوا مسلمين، وكأن أردوغان الممثل الوحيد للإسلام في تركيا والعالم.
إمعاناً في القمع، قام أردوغان في الأيام الأخيرة، بإعفاء أكثر من تسعة آلاف شرطي واعتقال ألف مدني، وعلى أثر تلك التوقيفات، طالب الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي» أنقرة بـ«احترام كامل للقانون»، ولوح أردوغان بالانسحاب من المحادثات مع المفوضية الأوروبية، بعد انتظار 54 عاماً، وأكد في موقف كاريكاتوري أن مستقبل أوروبا يتوقف على قبول عضوية بلاده.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، طالبت أردوغان بالرد على تقرير البعثة المشتركة لمراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، الذي رأى أنّ الاقتراع «لم يكن على مستوى المعايير» الأوروبية، وأن الحملة جرت في ظروف منحازة مؤيدة للتصويت بـ«نعم».
أردوغان الطامح لإقامة سلطنة عثمانية جديدة وصاحب مشروع الإرهاب العالمي أصبح ديكتاتوراً، ويأخذ تركيا إلى المجهول.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن