قضايا وآراء

ناتو عربي إسرائيلي قيد التبلور

| عبد المنعم علي عيسى

يقرأ الحراك الديبلوماسي المحموم الذي تقوم به المملكة السعودية على محملين اثنين أولهما أن الرياض ترى أن المشهد السوري قد عاد من جديد إلى المطارحات الأولى التي كان عليها بين 2012-2014، ما يستدعي العودة أيضاً إلى الفعل السياسي والعسكري الذي كانت تمارسه الرياض في تلك المرحلة، وثانيهما أن الرياض تشعر بحال قصوى من الارتياح ما بعد تكشف الدروب التي سيمشي الرئيس الأميركي دونالد ترامب بها، أو تلك التي سيشقها إن لم تكن مسلوكة من ذي قبل، بعدما عاشت الديبلوماسية السعودية حالة انكفاء غير مسبوقة في خلال الأشهر الستة الأخيرة من ولاية باراك أوباما الثانية، وفي الأشهر الثلاثة الأولى من ولاية دونالد ترامب، وفي هذه الأخيرة كان حال الترقب والتوجس بادياً بدرجة كبيرة على وجه، ويدي، النظام السعودي برمته حتى جاءت ضربة مطار الشعيرات في 4 نيسان الماضي فأيقظت من جديد أحلام الماضي التي كانت قد عصفت بها الأحداث الجارية أواخر العام الماضي وبدايات العام الحالي.
في هذا السياق يمكن أن نقرأ زيارة عادل الجبير إلى موسكو في 26 نيسان التي لم يكن لها أن تتم أو تأتي بالصورة التي جاءت عليها لولا وجود رؤية سعودية تقول إن الساحة السورية الآن قد باتت مفتوحة من جديد لكل الخيارات، ولولا وجود عين سعودية ترى أن درجة الحرارة التي تسجلها العلاقة الأميركية السعودية هي فوق درجة «صفر النمو» التي تسمح بنمو ونشاط الخلايا من جديد.
لم يحصد الجبير الكثير ولا القليل ولا كان متوقعا، حتى بالنسبة إليه، أن يحصد الكثير، وفي تلك الزيارة يمكن تلمس حالة تغير واضحة فيما يخص طريقة التعاطي السعودية مع موسكو، فعلى مدار خمس السنوات الماضية، كان منها السنة الأولى برأس حربة قطري، كانت الرياض تعمد إلى اتباع سياسة العصا والجزرة وبمعنى آخر كانت جملة «المشهيّات» الاقتصادية التي تعرضها على موسكو مقترنة في الآن ذاته بعصا تهدد بها هذي الأخيرة ولربما كانت هذه الحالة أوضح ما تكون إبان الزيارة التي قام بها رئيس الاستخبارات السعودي السابق بندر بن سلطان في آذار 2013 إلى موسكو وفيها ذهب هذا الأخير عشية لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى حدود القول: إن على موسكو أن تتوقع تكراراً للسيناريو الأفغاني الذي أطاح بالاتحاد السوفييتي عام 1991 إذا أصرت على هذه السياسات التي تنتهجها، على حين نرى الآن أن الخطاب المعتمد حالياً هو أقرب إلى المهادنة وتغيب منه العصا لتبقى الجزرة التي تختلف بما لا يقاس بتلك التي كانت تملكها الرياض في عام 2013 قبل أن تستطيع الأزمتان السورية واليمنية كنس الخزائن السعودية وقبل أن يجهد ترامب نفسه على كسر أقفال الخزائن الاحتياط لوضعها في خدمة المغامرات الأميركية في المنطقة والعالم مستخدماً «مفتاحاً سرياً» لتلك الخزائن لا يمكن لها أن تعصو عليه والذي يتمثل بالتصعيد تجاه كل من دمشق وطهران.
خطورة التصعيد السياسي السعودي تجاه دمشق تتأتى من حالة التعقيد الحاصل في المشهد السوري في خلال الأسابيع القليلة الماضية التي سجلت حدثين هما في غاية الأهمية والخطورة، أولهما القصف التركي الذي استهدف الداخلين السورين والعراقي جواً في 25 نيسان الماضي ومن ثم بالمدفعية 26- 27 الشهر ذاته، وكانت الذريعة هي ضرب مواقع حزب العمال الكردستاني، أما اللب فهو يتمثل في حصار هذا الأخير في بيئته تمهيداً لاستهدافه حيث من المؤكد أن تدميره سوف يؤدي إلى غياب القوة المسلحة القادرة على التصدي لأي هجوم تركي محتمل، ما يمهد الطريق لبدء سياسات القضم الجغرافي التي تعتبر من الناحية العملية رأس الاستراتيجيات التي تتبعها أنقرة في كلا الملفين السوري والعراقي.
وثانيهما: هو العدوان الإسرائيلي الأخير على نقاط قريبة من مطار دمشق فجر يوم 27 نيسان الماضي والذي جاء ليعكس حالة تغير استراتيجية عبر استهداف تلك النقاط بصواريخ أطلقت من قاعدة قريبة من هضبة الجولان المحتل بدلاً من استخدام الطيران في مؤشر يؤكد أن رسالة تدمر الأخيرة في 17 آذار الماضي قد وصلت تماماً.
من الواضح أن هناك خيطاً رفيعاً يلعب دور الرابط بين الأحداث السابقة كلها، وفي السياق نفسه تقول التقارير إن دونالد ترامب سيحمل في جعبته إبان زيارته القريبة للمنطقة التي ستشمل الأردن، السعودية، إسرائيل، رام الله، مشروع إقامة حلف ناتو مصغر عربي (سني) تكون إسرائيل فيه أشبه بـ«عمود الساموك» الرافع لسقف ذلك الحلف، ولربما من الجائز القول إن الضربات السابقة لم تكن سوى «بروفا» في سياق التحضير لهذا الأخير، على حين يبدو أن التردد الأردني في دخول ذلك التحالف يمثل حجر العثرة الأكبر أمام الإعلان عنه، فالأردن كان يهيئ لدور أساسي تلعب فيه الجغرافيا و«البشر» دور الركيزة الأكبر، وبدا لافتاً أن وسائل إعلام ذلك الحلف الافتراضي حتى الآن، سوّقت لعنوان عريض خلال الأيام الماضية، يقول إن الهجوم الأردني على الجنوب السوري بات وشيك والوقوع قبل أن يعلن الملك عبد الله الثاني يوم 26 نيسان المضي أن «الأردن متمسك بسياسته الدفاعية ولا حاجة للأردن لكي يقوم بشن هجوم على الجنوب السوري لكي يحمي أمنه».
من الصعب التنبؤ فيما يخص العدوان التركي على البلاد فالاستهدافات الأخيرة في الداخل السوري تقرأ على أنها حالة تمرد تركية على التفاهمات القائمة مع موسكو إبان بدء عملية «درع الفرات» في 24 آب 2016 في الشمال السوري، ومن الواضح أن الدافع الأكبر الذي يكمن وراء الاعتداءات التركية الأخيرة يعود إلى «الانعطافة» الأميركية الأخيرة التي ارتأت أنقرة فيها فرصة لاختبار المدى الذي يمكن لواشنطن أن تذهب إليه ما بعد الشعيرات، وهو ما عنى به أردوغان في تصريحه في 28 نيسان: «نرى أن ترامب سيكون أشد حزماً فيما يخص إرهاب الدولة في سورية»، ولذا فإن تنامي التمرد التركي على تلك التفاهمات، بل أيضاً إمكان نسفها، هو أمر يتوقف على مدى الاندفاعة الأميركية وما يمكن أن تصل إليه في سورية.
أما فيما يخص التنبؤ بالعدوان الإسرائيلي فهو على الأرجح سيكون مرشحاً وقابلاً للتكرار والتصعيد أيضاً لاعتبارات عديدة أبرزها أنه يحظى بمظلة عربية وإقليمية ذات طيف واسع وهي تصل في نسيجها السعودي إلى حدود التحريض والدعم والارتهان، ومنها أيضاً أن تل أبيب لا ترتبط بالتأكيد مع موسكو عبر تفاهمات شبيهة بتلك القائمة ما بين أنقرة وبين هذه الأخيرة، ولذا فإن درجة التأثير الروسي في إسرائيل فيما يخص هذا النوع من الضربات، يبدو ضعيفاً إن لم يكن معدوماً، ولا أدل عليه من أن موسكو كانت قد ذهبت نحو تصعيد كبير مع تل أبيب غداة استهداف مواقع سورية في تدمر في 17 آذار الماضي وصلت إلى حد استدعاء السفير الإسرائيلي في موسكو لتبليغه احتجاجاً روسياً شديد اللهجة، إلا أن ذلك لم يمنع قيام الاعتداء على نقاط قريبة من مطار دمشق الدولي في 27 نيسان، بل من الملاحظ أيضاً أن طبيعة الرد الروسي على هذا العدوان الأخير كانت ضعيفة أو أنها لا تقاس بتلك التي جاءت رداً على العدوان ما قبل الأخير، ومنها أن المعادلات الإقليمية السائدة حالياً لا تنبئ بإمكان قيام رد سوري أو من حزب الله داخل العمق الإسرائيلي وذاك أمر طبيعي بل أيضاً لا مصلحة لدمشق أيضاً أن تقوم برد كهذا، والفرصة أذاً تبدو مواتية لإجراء أكبر تهتك ممكن للنسيج السوري ولا صحة للذريعة التي تقول إن تل أبيب تقوم باستهداف مواقع لحزب الله في سورية، فقد سقطت تلك الذريعة بالتأكيد وباعتراف إسرائيلي فقد بثت القناة الثانية الإسرائيلية في 26 نيسان تصريحاً لمسؤول عسكري إسرائيلي رفيع لم يذكر اسمه جاء فيه: إن الضربات الإسرائيلية في سورية كانت فاشلة وهي لم تحقق المرجو منها بمنع وصول أسلحة نوعية إلى حزب الله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن