ثقافة وفن

مجانية العدالة

د. اسكندر لوقا : 

 

من البدهيات في الحياة أن تكون العدالة منقوصة أحياناً بنسبة ما في بلد من بلدان العالم لسبب أو لآخر. ومن البدهيات أيضاً أن يسعى المتنورون، كل في مكانه وحسب قدرته، لإغلاق هذه الثغرة وصولا إلى مجتمعه المنشود.
ومعلوم أن المرء في سياق هذا المسعى، تندرج في ذاكرته عدة عناوين، سبق أن شغلت بال آخرين سبقوه من بين خيرة المفكرين والمصلحين الاجتماعيين إلى معالجة مثل هذه المسألة قبل مئات بل آلاف السنين من عمر البشريّة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر حقوق الإنسان. حرية التعبير. حرية المعتقد. حرية الإقامة. حرية التعلم، وإلى آخر هذه المنظومة التي ما إن يصاب أحد أطرافها بآفة الإهمال، وخصوصاً في زمن انفتاح العالم على نفسه، حتى تتنامى وتتسع رقعة التخلف. وبذلك تفقد الأذن قدرتها على السمع، وتفقد العين قدرتها على رؤية ما هو أبعد من رأس الأنف.
لهذه الاعتبارات، حين تمارس العدالة بوجهها الصحيح، فإن شيئاً من العبء لن يترتب على عاتق حاملها بوصفها قضية إنسانية تستحق أن يبذل من أجلها كل ما في وسع الإنسان أن يبذله، بغض النظر عن حجم الجهد أو المعاناة، ذلك لأن أي قضية إنسانية يفترض أن تكون حافزا لدى الإنسان كي يدافع عنها بوصفه حامل رسالة جاء إلى الحياة من أجل نشرها، وعلى نحو خاص عندما تواجه هذه القضيّة بموقف أو أكثر، لتفريغها من محتواها.
على هذا النحو يمكننا العودة إلى العديد من القرارات التي اتخذت في رحاب المنظمات العالمية، ولكن معظمها جرى تفريغها من محتواها ومما عنت. وعلى سبيل المثال حين نقرأ عن توقيع ميثاق عصبة الأمم في سنة 1919 مؤكداً مبدأ تقرير المصير والاعتراف باستقلال البلاد العربية التي خرجت من مربع الاستعمار العثماني، وكيف استقبل بالأمل والتفاؤل في أرجاء الوطن العربي، ولم ينتج شيئاً على أرض الواقع، عندما نقرأ وثيقة كهذه وكسواها من الوثائق التي أكدت حقوق الإنسان وحق تقرير المصير وسوى ذلك، من المتوقع أن يدفعنا إلى الشك في مجمل القرارات التي سبق أن أبرمت في أروقة منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها ولم يكن لها نفع على أرض الواقع، سواء ما يتعلق منها بقضية عربية بحد ذاتها، أم بقضايا الأمة العربية عموما. ولهذا السبب تفقد العدالة، كمفهوم، وكوسيلة عدل، كل اعتبار.
هذا ما عبرت عنه الروائية الأميركية زورانيل هيرستون [1891–1960] بقولها: إن العدالة مجانية وممارستها ليست إجبارية لحسن الحظ.
وهذا ما نؤمن به، لأن مجانية العدالة تحفظ حق الإنسان في حياة كريمة وتشيع في نفسه الشعور بالأمان والسكينة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن