قضايا وآراء

سورية و«تخفيض التوتر»

| مازن بلال 

تتوقع موسكو أن يؤثر اتفاق أستانا بشأن مناطق تخفيض التوتر في عوامل الصراع كافة، فالأطراف التي شاركت ووقعت على الاتفاق لم تتبدل، ولم تتغير المعادلة كثيراً على المستويين الإقليمي والدولي، ولكن التحول الأساسي ربما يظهر في تغيير مسارات الصراع؛ عبر انخراط أكبر للدول الضامنة وتوسيع نطاق المناطق التي شملتها الاتفاقية، فروسيا عملياً تجاوزت مفهوم المناطق الآمنة، ودخلت إلى مصطلح جديد يدفع نحو تحديد أهداف من إنشاء تلك المناطق، لا تقتصر على الحالة الإنسانية فقط، بل تحاول دفع الميليشيات المسلحة لاتباع سلوك مختلف، والانضواء ضمن إطار إقليمي في محاربة الإرهاب.
عملياً فإن العمق الحقيقي لما تم التوافق عليه في أستانا هو عنوان سوري بمضامين لها علاقة بترتيبات إقليمية، فهو يحاول إدارة شكل من التحالف يحمل الكثير من التناقضات، ويستفيد من السياسة الأميركية التي تحاول فرض سطوتها على الأزمات من دون التأثير لحلها، فهي مستعدة للقيام بعمل عسكري خاطف في سورية، لكنها في المقابل لا تبدي حماسة لتعاون وثيق للمساعدة في الخروج من الأزمة السورية، فاتفاقية استانا تحمل ثلاثة ملامح أساسية:
– رسم الأدوار الإقليمية لكل من إيران وتركيا على مستوى سورية، وضمن إطار واضح يجعلها مسؤولة عن التهدئة للدخول في الحل السياسي، وهذا الأمر سيشكل توازنا مختلفا لأنه ينافس دولا إقليمية أخرى، مثل السعودية، تقوم بالوصاية على الحل السياسي في جنيف.
– القيام بخطوة استباقية تبقي إيران بقوة داخل المعادلة الإقليمية، وهذا الأمر دفع الولايات المتحدة للتشكيك بالدور الإيراني في اتفاقية «مناطق تخفيض التصعيد»، فموسكو تريد فرض واقع إقليمي على واشنطن، وهي تعرف أن المعركة الأميركية ضد إيران ستكون بعزلها سياسياً، وبإبعادها عن أزمات الشرق الأوسط عموما.
– الأمر الأخير أن الكرملين أوجد قاعدة للتعامل الإقليمي مع الولايات المتحدة، فمن المؤكد أن تطبيق اتفاقية أستانا صعب لكنه سيكون المحور الأساسي للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فهو منح الجانب التركي ورقة تفاوض ستساعده في توضيح مسار الإستراتيجية الأميركية لمنطقة الجزيرة السورية، وستؤدي في النتيجة لتسهيل المهمة الروسية في وضع أوراق ضغط أمام الولايات المتحدة تجاه سياستها الشرق الأوسطية.
بالتأكيد فإن مناطق خفض التصعيد، ستشكل مادة أساسية للعلاقات الإقليمية، لأنها في النهاية توزيع للأدوار، وتحديد لحدود تأثير الدول المنخرطة في الصراع على الأرض السورية، فعندما يصعب إيجاد توافق دولي فإن التوافقات الإقليمية، على هشاشاتها، تغير المعادلات بشكل بطيء وتضع استحقاقات جديدة أمام الدول الكبرى، فكل القرارات الدولية عجزت عن تحقيق المهمتين الأساسيتين في تحديد الفصائل الإرهابية والسير في العملية السياسية، وهذا العجز أدى لدخول موسكو في مسار جديد يجعل المجموعات المسلحة والدول الراعية لها تقوم بعملية الفرز من خلال مناطق تخفيض التصعيد، وفي المقابل يضمن لها أدوارا سياسية في مسار جنيف.
تفسح اتفاقية الأستانا الجديدة فرصة مراجعة حقيقية للسوريين تحديدا في قراءة ما يجري، وترتيب الأوراق من أجل التفاوض السياسي، وهذه المهمة لن تكون خاصة بالحكومة السورية، لأن القوى السياسية في سورية مدعوة أكثر من أي وقت مضى للتعامل بجدية مع الاتفاق الجديد، فهو يحتاج لبرنامج سياسي متكامل كي لا تصبح مناطق تخفيض التصعيد بوابة لتدخل إقليمي ودولي في مستقبل سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن