الأولى

للشهادة في أيار طعم خاص

| بقلم: عبدالله الغربي – وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك

قبل مئة عام وعام، من دمشق أقدم عاصمة في التاريخ، ومن بيروت الأزل وخلود الفينيق، انطلقت قافلة جليلة من قوافل الشهداء في عرس مهيب لتعانق حدود السماء، قافلة اهتزت لها ساحتا المرجة والبرج.
هناك كان للأحرار كلمتهم وكان لأرواحهم الطاهرة قدسيتها وجلالها الذي لا يمكن لنار الحقد والظلم أن تطفئ وهجها ولا لحبال المشانق ولسواطير الحقد أن تمحو أثرها، فكانت لعنة على كل سفاح ومجرم وخائن ومرتزق وأجير منذ أن كانت الكلمة وحتى قيام الساعة.
لقد أسس شهداء السادس من أيار عام 1916 نهجا أذاق المحتل الغازي ويلات الهزائم ومرارة الخيبات على امتداد السنين، فكانت الوصية الأساس من الأعناق التي تدلت على المشانق في أيار ١٩١٦هي الشهادة التي توارثها الأبناء والأحفاد من الآباء والأجداد، وأما مجرمو هذا الزمان وهذا العصر، فلم يتوارثوا من أسلافهم سوى الخيبات والذل ومرغت أنوفهم بوحل العار والهزيمة بعد أن تفنن رجالنا في ابتداع الطرق والأساليب في تلقين الدروس للمحتل وأذياله.
نعم لقد كسرت في سورية جميع القواعد، وتحولت كل أيامها إلى سادس من أيار، وها نحن نرى أبناءها يتنافسون من يستشهد أولاً، وترى بلداتها وقراها ومدنها تتسابق من منها تستطيع تقديم أكبر عدد من الشهداء.
اليوم رجال الجيش العربي السوري يقدمون دماءهم الطاهرة على مذبح الحرية ليحيا الوطن ولتحيا الأجيال القادمة حرة أبية، يترك أحدهم طفله رضيعا بعد أن يهمس الوصية في أذنه ثم يمضي مطمئن القلب وكله ثقة أنه أودع الأمانة عند أهلها، الذين ما يبلغ أحدهم سن الفطام حتى «تخر له الجبابر ساجدينا».
تنوعت فلسفة الشهادة لدى السوريين وتعددت واتخذت ألواناً شتى وها نحن نرى بيوتا قدمت أبناءها جميعاً فداء لتراب الوطن الغالي، وهي شامخة كعرين الأسود، فخورة كقلاع التاريخ بعظيم وجلال ما فعلت، فهل هناك أعظم وأجل من أن يدافع المرء عن شرفه وكرامته وحريته؟
في السادس من أيار تتعانق الهامات وتشمخ وتنحني أمام عظمة الشهيد حامي الديار والوطن، حيث تضاء في الضمائر شموع الصلاة وتتعانق أجراس الكنائس مع تكبيرات المآذن لتقيم صلاة الراحة الأبدية والبقاء، وتعلن هنا من على هذه الأرض، أرض الأسود، أننا على نهج القائد المؤسس، نهج الشهادة والشهداء، وأن نرفع أسمى آيات الإجلال والإكبار إلى أرواح شهدائنا الأبرار، أولئك الذين استعذبوا الموت لتحيا أمتهم.
ولأرواح جميع شهداء سورية السلام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن