قضايا وآراء

كيف نجح الاتحاد الروسي في تجاوز العقوبات؟

| قحطان السيوفي 

لا يختلف اثنان على أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على روسيا عام 2014 بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم؛ استخدمت لأهداف سياسية، واستهدفت العقوبات شخصيات روسية، وقطاعات اقتصادية كالمصارف وشركات الطاقة، وتلا هذه العقوبات تخفيض مُتعمد لأسعار النفط في إطار الضغط على روسيا لتغيير مواقفها.
أثرت العقوبات سلباً في التمويل الأجنبي، والتكنولوجيا، وتسببت ببعض الصعوبات للاقتصاد الروسي، وتوهمت الحكومات الغربية أن الضغط على شركات الطاقة الروسية قد يُغير الحسابات السياسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ الذي رد سياسياً بحزم وقوة على هذه العقوبات؛ ووافق على طلب الدولة السورية بالتدخل عسكرياً للمساعدة في محاربة الإرهاب، ورد بعقوبات اقتصادية مضادة؛ منها حظر استيراد بعض المنتجات الغربية، والأهم إجراءات رفع وتحسين إنتاج الطاقة من النفط والغاز.
الرئيس بوتين، وبراعته الوطنية، أمر «إيجور سيتشين» الرئيس التنفيذي لشركة النفط الروسية «روسنيفت» البدء بعمليات الحفر، وباتجاه خمسة آلاف متر إلى أسفل، في حقل النفط «تسينترالنو- أولجينساكيا وان» قرب القطب الشمالي، واسُتخدمت أحدث أساليب الحفر الأفقي، وتشير التقديرات إلى وجود 9.5 مليارات طن من مكافئ النفط تحت الجليد في موقع المشروع. وتقدر قيمة النفط والغاز في منطقة القطب الشمالي لروسيا بـ20 تريليون دولار، أدى تراجع أسعار النفط إلى أدنى مستوياته، لانخفاض الناتج المحلي الإجمالي الروسي، لكن بعد دخول أسعار النفط في فترة انتعاش معتدلة، كان أداء الاقتصاد الروسي جيداً. التوقعات تشير إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي 1.5 بالمئة في 2017.
يقول «أبورفا سانجي» كبير الاقتصاديين لمنطقة روسيا في البنك الدولي: «من الواضح أن العقوبات تضاءلت أمام صدمة أسعار النفط، وفي ضوء ما فعلته
السلطات الروسية بتحقيق الاستقرار الكلي، كان الأداء مميزاً جداً».
في الأشهر الماضية نجحت شركة روسية في التنقيب عن الزيت الصخري بعمق كيلو متر واحد في حقل «باتشينوف» الذي سوف يصبح أكبر مستودع للنفط الصخري في العالم. يقول رئيس الإستراتيجية والابتكار في غازبروم العملاقة للغاز: «نحن مثل كرة الثلج؛ كلما تعرضت إلى ضغط أكبر، أصبحت الكرة أكثر ثباتاً وقسوة، ولا تؤثر فينا العقوبات».
بعد العقوبات؛ ارتفع إنتاج روسيا من النفط الخام نحو 6 بالمئة، أكثر من ضعفي ارتفاع الإنتاج المشترك لمجموعة دول منظمة أوبك.
العقوبات ساعدت في تطوير التكنولوجيا والخبرات المحلية بسرعة، رئيس شركة «غازبروم نيفت» قال: إن التطورات التكنولوجية داخل الشركة منذ فرض العقوبات عملت على زيادة متوسط الإنتاج لكل بئر 11.5 بالمئة.
الرئيس بوتين زار أرخبيل فرانز جوزيف في أقصى شمالي نصف الكرة الشرقي، مؤكداً رغبته في تطوير منطقة القطب الشمالي.
بدورها الأمم المتحدة أعلنت أن خسائر الدول التي فرضت عقوبات على روسيا تجاوزت مائة مليار دولار، أي ضعفي ما تكبدته موسكو من تلك العقوبات التي لم تتجاوز 1 بالمئة من الناتج المحلي.
قرار دول مجموعة السبع المنعقدة مؤخراً في اليابان بتمديد العقوبات على موسكو؛ ردت عليه روسيا بإعلان تمديد العقوبات الروسية المضادة للعقوبات الغربية. وأكدت موسكو منع استيراد منتجات الأغذية الطازجة من الدول الغربية.
الرئيس بوتين، أوضح في منتدى بطرسبورج الدولي الأخير، أن روسيا تمكنت من ضمان استقرار سعر الصرف، والسيطرة على التضخم، وأن بلاده ستواجه العقوبات الاقتصادية بمزيد من الانفتاح ولن تلجأ إلى الانكماش، وإيلاء اهتمام خاص للاستقرار المالي والمصرفي، وتشكيل مناخ أعمال ملائم للمستثمرين، مشيراً إلى أن موسكو باتت الآن معتادة على مثل هذه الظروف الاقتصادية، وتعرف الطريق للتغلب عليها.
العديد من المسؤولين الغربيين يرون أن استخدام العقوبات الاقتصادية في الأزمة السياسية هو إخفاق للدبلوماسية الغربية مع دولة عظمى مثل روسيا. باختصار نجحت روسيا بقيادة الرئيس بوتين بتجاوز العقوبات الاقتصادية الغربية، كما أنها تصدت لمؤامرة تخفيض أسعار النفط، بإرادة وطنية عالية، وكانت العقوبات حافزا وطنياً للإبداع والابتكار في بلد أكد شعبه وقيادته الرغبة في احترام إرادة الشعوب طبقاً للقوانين الأممية، والاستمرار كقوة عظمى على الساحة الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن