من دفتر الوطن

سلاح الجمال الشامل!

| عصام داري 

السلاح الوحيد الذي أمتلكه هو سلاح الكلمة، في الدفاع والهجوم، في حالات الحرب والسلم، في مواجهات الحب والعشق، في الوداعة والتمرد، في أيام الغضب واللهب، وسنوات الجمر والنار، وزمن السكينة والهدوء والأمن والأمان، وفي شوارع الحزن المفتوحة في كل الاتجاهات، وزواريب الفرح المختبئة في زوايا وطن يشبه طيراً مقصوص الريش.
ثمانية وعشرون حرفاً متوهجاً، ثمانٍ وعشرون طلقة، وردة، شمعة، ثمانٍ وعشرون قصيدة شعر، قصة حب، أغنية أو لحناً يميل الرؤوس طرباً، ويسكر الأرواح، وينعش القلوب الحائرة والآيلة للسقوط في بحار الهيام والهوى.
سلاحي هذا يمكن أن يكون مدمراً حيناً، ويمكن أن يبني صروحاً من أحلام وخيال وسحر. قد يجلب لي الفرح، لكنه قد يسوقني على دروب المصائب، أو يقودني إلى السؤال والمساءلة!. وهل بقي في العمر ما يتحمل مساءلة جديدة، أو لوماً، وحتى عتباً، فحتى العتب أحياناً يؤلم، ويترك جروحاً وندوباً في الروح والنفس قبل القلب والجسد.
ثمانية وعشرون حرفاً نستطيع أن نصنع منها مليارات الكلمات، وملايين الجمل، وعشرات آلاف المقالات والقصص وقصائد الغزل والزجل والأغاني، وفي الوقت نفسه نستطيع أن نضلل مجتمعاً بكامله، ونحول الخسائر والكوارث إلى أرباح لا وجود لها إلا عند (أبطال!) الفساد وفي دفاتر الجَرَاد!.
هذا السلاح الذي يستخف به «بعضهم!» ويريدونه سلاحاً قذراً يروج لمطامع شخصية وأكاذيب عامة، وغسل الأدمغة والعقول، أصبح بالفعل عند بعض الناس سلعة تباع وتشترى، ووسيلة رزق غير شرعي، ومهنة من لا مهنة له، والمخفي أعظم!.
سلاحي أنا على قوته وجبروته يرفع الراية البيضاء أمام الجمال، ويسلم المفاتيح لصبية خارجة من بحار المصادفة والدهشة وهي مزودة بسلاح الجمال الشامل والسحر الذي يفوق الخيال.
أمام سلاح الجمال تتعب الأبجدية، تشعر الكلمات بالإجهاد، تختبئ الحروف في زوايا الدفاتر، يعلن القلب استراحة إجبارية، لدقائق، ربما لساعات، أيام، لكنها استراحة إجبارية، بعدها يعاود النبض من جديد، وتستأنف الحياة دورتها الاعتيادية، مستمدة من ذاك الجمال طاقة خلاقة تعيد إلى الروح والنفس التوازن، وجرعة ثقة جديدة نحتاجها ونحن نخوض معارك البقاء في عالم الحروب والدمار والموت المجاني على قارعة الطريق.
رغم صداقتي لهذه الأبجدية الأجمل في عالمنا، إلا أنني أشعر أحياناً صعوبة كبيرة في الدخول في حوارات عقيمة إن كان في وسائل الإعلام المختلفة، التي أسمي بعضها (وسائل إعدام!) أو في المواجهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو في الحياة العامة ويومياً في كل مكان تجد نفسك محشوراً به، فمثل هذه الحوارات تصبح كابوساً مزعجاً عندما يكون الطرف الآخر متحجر العقل والفكر والقلب، كأنه قادم للتو من عصور ما قبل التاريخ.
كتبت اليوم عن سلاح الجمال الشامل، وأختتم وأختزل الموضوع بعبارات قليلة: فالجمال مرصود لمن يحمل روح طفل ويعشق غزل العصافير والحمائم، ولمن يستمع لألحان الجداول وهي نعزف سيمفونية الخلود على أوتار الحور والصفصاف والكينا، والجمال ليس كلمة تقال، أو قصيدة شاعر، إنه الإنسان الذي يعرف قراءة السطور وما بين وخلف السطور، ويترجم لغة العيون التي تحكي ألف قصة من دون أن تنطق بحرف واحد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن