ثقافة وفن

عمر أبو ريشة شاعر الكبرياء والصورة … توفيق الإمام: اعتدنا في وزارة الثقافة على تكريم القامات الأدبية والفكرية والفنية

| سارة سلامة- «ت: طارق السعدوني»

عمر أبو ريشة.. الإنسان والشاعر والأديب والدبلوماسي.. امتاز برقيه وجمال صوره ومعانيه.. وملأ الدنيا بحبه وعاطفته.. وله مكانة مرموقة في ديوان الشعر العربي.. كيف لا وهو الذي ولد في بيت يقول أغلب أفراده الشعر.. اتسم الوصف عنده بسمات ميزته عن الشعراء الذين عاصروه، وكانت الرومانسية مسيطرة على طرائقه، للشاعر الكبير ديوان شعر باللغة الإنكليزية والكثير من المؤلفات والقصائد الشعرية المهمة، وضمن سلسلة الندوات التي تقيمها وزارة الثقافة شهرياً احتفاء بالشخصيات السورية المبدعة في مختلف مجالات الفكر والأدب كانت ندوة هذا الأربعاء بعنوان «عمر أبو ريشة.. شاعر الكبرياء والصورة»، وذلك في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، أدارها الدكتور إسماعيل مروة، وتضمن برنامجها ثلاثة محاور الأول «صورة المرأة في شعر عمر أبو ريشة» قدمه الدكتور غسان غنيم، والمحور الثاني «الصورة الفنية في شعر عمر أبو ريشة» تحدث عنه الدكتور محمود سالم، أما المحور الثالث فيحمل عنوان «عمر أبو ريشة.. رؤية الآخر والتقاطع معه» قدمه الدكتور ثائر زين الدين.

وأكد معاون وزير الثقافة توفيق الإمام: أننا «اعتدنا في وزارة الثقافة وبتوجيه من السيد الوزير تكريم القامات الأدبية والفكرية والفنية، حيث نقوم باسترجاع ذكرى أمجاد هؤلاء المفكرين والأدباء، والشاعر عمر أبو ريشة واحد منهم، وهو ابن مدينة حلب درس في مدارسها وتابع تعليمه في مدارس بيروت، ثم انتقل إلى إنكلترا ودرس الكيمياء الصناعية، ويعتبر من أبرز الشعراء المعاصرين، وكانت أغلبية عائلته تتحدث الشعر، ولديه الكثير من الدواوين، وكان محباً لوطنه».

المرأة بصور متعددة
وقدم الدكتور غسان غنيم محوره بعنوان «صورة المرأة في شعر عمر أبو ريشة»، حيث قال إن «أبو ريشة نَفَرَ من شعراء عاصروه من تقديم المرأة كما كانت تقدم في الشعر العربي القديم، ظبية في زمن ليس فيه ظباء كما يقول، فقدمها بصورة إنسانية متعددة، فهي المرأة الخجول، الهادئة، وبنت الهوى المترخصة، والحاقدة، والمظلومة والطاهرة، والمعتدة، والمراهقة، والغجرية..».
وأشار غنيم إلى أنه «لا يمكن تصنيف أبو ريشة مع المحبين من الشعراء، بل هو شاعر محب للنساء جميعاً، نفسه تهفو إلى الجمال أينما كان، فكل حسناء ليّنة القدّ، وكل امرأة قادرة على أن تحرك مشاعره، وبهذا فكل النساء سواء عنده حيث قال:
أفدي الحسانَ وأيّ صبّ لا يكون فداءهنّ
اللينات قدودهن المضرمات خدودهن
الساحرات بطرفهن وذاك أضعف ما بهنّ
وأضاف غنيم إن: «المرأة عملت في شعر أبو ريشة على حمل عبء أفكاره، فكانت الحامل الذي علق عليه جملة من رؤاه في المجتمع والوطن والقومية، فهذه الأمة التي ينتمي إليها ويحبها، كانت ذات ماضٍ عريق، يتوق إليه تعويضاً عن حاضر ضائع مشتت، منهوك بالهزائم والتراجع، ولا بأس أن يتذكر هذا الماضي، ليعيد إلى ذاته الحزينة أمام ما يحمله واقع الأمة، بعض التوازن، والكبرياء الجريحة التي ميزت شخصه».
انفتاحه على الآخر

ومن جانبه تحدث الدكتور ثائر زين الدين في محوره عن «رؤية عمر أبو ريشة للآخر والتقاطع معه» وقال: «لعل أهم ميزات أبو ريشة هي انفتاحه على الآخر، إنساناً، وثقافةً، وحضارةً بصورة عامة، وقدرته الخلابة على الإفادة من ذلك كله وتوظيفه معنوياً وفنياً في نصه الجديد، بحيث رأينا منجزه الشخصي مثالاً ساطعاً للمثاقفة وللأصالة والمعاصرة في آن واحد».
ولفت زين الدين إلى أن أبو ريشة عالج موضوعات جديدة كموضوعات الفن في الشعر والتشكيل وكتب قصيدة عن جان دارك، مبيناً أن «اللوحات والتماثيل التي صورت الفتاة الفرنسية جان دارك، التي انتقلت من امرأة ريفية بسيطة إلى فارسة ثم قديسة أكثر من أن تحصى، فقد رسمها الكثيرون، وصنع لها أنصاباً عددٌ غير قليل أيضاً من الفنانين، ولكن واحدة من اللوحات التي تقدمها على حصانٍ أدهمٍ والموجودة في «اللوفر»، ألهمت شاعرنا أبا ريشة قصيدة أطلق عليها الاسم نفسه وقدم لها في ديوانه قائلاً: «رأى في اللوفر بباريس صورة فتاة رائعة الجمال على صهوة جواد أدهم، فاستغرب عندما علم أنها جان دارك».
وأضاف زين الدين: «ليست تلك المرّات التي أعادتني فيها قصيدة روسية أقرؤها أو أترجمها إلى قصيدة لشاعر عربي، وكان سرّ ذلك بالتأكيد هو جملة من الروابط المختلفة بين النصين، واليوم حين أعود إلى ديوان أبو ريشة متقصياً وجدتني أتمهل كثيراً في قراءة قصيدة «عودي»، المكتوبة سنة 1965 واستحضر في اللحظة نفسها قصيدة قصيرة للشاعرة الروسية آنا أخماتوفا، وقدم أبو ريشة في استهلال صغير يقول فيه: «وكان الليل والثلج والمدينة الهاجعة فوق إحدى هضاب الهملايا.. وقصرها المنفرد» قائلاً:
قالت مللتك اذهب لست نادمة
على فراقك.. إن الحب ليس لنا!
سقيتك المرّ من كأسي شفيت بها
حقدي عليك ومالي عن شقاك غنى
لن أشتهي بعد هذا اليوم أمنية
لقد حملت إليها النعش والكفنا
الموضوع نفسه عالجته قبل أكثر من خمسين عاماً على كتابة قصيدة أبو ريشة الشاعرة الروسية آنا، بقصيدة شديدة التكثيف والإيحاء حيث قالت:
فركت يدي تحت شرشفي الغامق
«لم أنت شاحبة اليوم»
لأنني شربت حزناً… ممضّاً حتى السكر
كيف أنسى؟ خرج يترنح
وقد لوى فمه بحزن

تقريب الموصوف إلى الأذهان
أما محور «الصورة الفنية في شعر عمر أبو ريشة» فتحدث عنه الدكتور محمود سالم الذي قال: «امتلك الشاعر أبو ريشة الموهبة الشعرية والثقافة العالية والتجربة الذاتية التي حصلها من تعليمه ومطالعاته وعمله وسفره إلى بقاع مختلفة من العالم، والاحتكاك بحضارات متميزة، واطلاع على التراث العربي، والشعري منه خاصة، ومتابعة الاتجاهات الأدبية السائدة في عصره، فضلاً عما حبي به من إحساس متوافر وسلامة حواس، هذه الأمور كلها هيأته ليكون مبدعاً في فن الوصف».
وبينّ سالم موضوعات الوصف في شعر أبو ريشة وقال: «للوصف عنده عدة موضوعات، أولها الطبيعة ومكوناتها، وثانيها وصف الأوابد والآثار، وثالثها وصف الأعمال الفنية من صور وتماثيل، وتأتي بعد ذلك موضوعات ثانوية كوصف الأدوات والمخترعات، مثل قوله في افتتاح قصيدة «عناد»: هذي الربى كم ضاق فيّ فضاؤها مالي على جنباتها أتعثر».
وأفاد سالم إلى أن «أبو ريشة اتبع طرائق متباينة في أداء وصفه، منها التجسيد للأفكار المجردة، والأنسنة للنبات والحيوان والجماد، ومنها تقريب الموصوف إلى الأذهان أو تحميله معاني ومشاعر من خلال التشبيه»، وأشهر قصائده في وصف الأوابد جاءت من خلال وصفه معبد «كاجوراو»، في الهند، التي افتتحها بقوله: من منكما وهب الأمان لأخيه، أنت أم الزمان».

صورة شعرية مختزلة
وفي تصريح له لفت إسماعيل مروة إلى أن: «عمر أبو ريشة واحد من أهم الشعراء السوريين والعرب على الإطلاق لأنه يملك لغة وصورة وإحساساً مرهفاً عالياً، الأمر الذي يجعله من أفضل الشعراء قدرةً على تقديم صورة شعرية مهمة، بالإضافة لامتلاكه الإباء والكبرياء والانتماء للوطن، فقد كان متمسكاً بوطنه سورية إلى أقصى درجة، وله نكهة خاصة في شعره جعلته يقدم صورة شعرية مختزلة»، مضيفاً إننا «لو عدنا إلى ديوانه قلما نجد مطولات لأنه لا يعتمد على عدد أبيات القصيدة وإنما يعتمد على الفكرة التي يريد أن يقولها، عمر أبو ريشة من الأعلام المهمين جداً الذين عاشوا وكان إصرارهم أن يدفنوا في ثرى الوطن فعاد ليدفن في مدينة حلب».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن