قضايا وآراء

ماذا يبقى لنا من فلسطين؟

| تحسين الحلبي 

صدقت لجنة وزارية إسرائيلية على مشروع جرى اقتراحه عام 2011 لإعلان إسرائيل كدولة لليهود وحدهم، وهو الذي تقدم به وزير الأمن الداخلي سابقاً وأحد قادة حزب الليكود آفي ديختر، وهذا القرار الوزاري سيصبح جزءاً من القانون الأساسي حين يصوت عليه الكنيست الإسرائيلي، وسيحمل معه تصفية رسمية إسرائيلية لمعظم، إن لم يكن جميع، حقوق الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948، وكذلك حقوق الفلسطينيين التي أقرتها الأمم المتحدة بالعودة إلى ممتلكاتهم وأراضيهم.
إذا ما اعترفت واشنطن وحلفاؤها بدولة من هذا النوع العنصري الفريدة بالمقارنة مع كل دول العالم، فسوف تنزع كل السمات التاريخية والمادية والثقافية التي حملتها فلسطين، بل ستحرم الفلسطينيين الموجودين في داخل ما يسمى إسرائيل الآن، من كل حقوق بقائهم واستمرار وجودهم فيها ما داموا ليسوا يهوداً، رغم أنهم يشكلون 20 بالمئة من سكان البلاد الآن، وسوف تفرض قوانين هذه «الدولة اليهودية» على الفلسطينيين إجراءات تجعلهم وهم أصحاب الأرض والوطن، مجرد أجانب يقيمون فيها بشكل يعطي صلاحية الدولة بإبعادهم وليس بحرمانهم من حقوق «متساوية» مع اليهود، وهو ما يعد جريمة أفدح من نظام «الأبارتايد» العنصري الذي كان يسود في جنوب أفريقيا.
إن ما سبق سيجعل الحركة الصهيونية والحكومة الإسرائيلية ينتقمون من الفلسطينيين بطريقة أبشع من انتقام النازية التي سمحت بإخراج اليهود من مواطنيتهم الألمانية وقتلهم وكأنهم مواطنون من دول أخرى أوروبية معادية.
الفلسطيني، تقوم إسرائيل بفرض إجراءات غير مسبوقة بالتاريخ ضده، فهو داخل الأراضي المحتلة عام 1948 مجرد مقيم «أجنبي» رغم أنه صاحب الأرض كلها والوطن، وهو داخل الضفة الغربية وفي كل فلسطين أصبح «محتلاً» لأراضي الدولة اليهودية، ويجب بنظر المحتل الإسرائيلي إخراجه منها وتوزيعها على المستوطنين وهذا ما يجري في أراضي الضفة الغربية الآن.
والفلسطيني في قطاع غزة أصبح مجرد مشروع لكل ما يرغب في فرضه الإسرائيلي من خلال استمرار حصاره من البحر والأرض والسماء.
لا أحد يشك أن قراراً بفرض هذا الأمر الذي وافقت عليه الحكومة الإسرائيلية الآن قد اتخذ بموافقة أميركية مسبقة، لأن زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى تل أبيب المقررة بعد أسبوعين، سيجري خلالها رسم وتدشين سياسية أميركية علنية تتفق مع سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هذا المشروع وخصوصاً أن عبارة «إسرائيل كدولة يهودية» جرى تداولها رسمياً على لسان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري، وانتشر هذا التداول في عدد من الدول الأوروبية، وصمت النظام الرسمي العربي والجامعة العربية منذ اتساع تداول عبارة «الدولة اليهودية» على هذه السياسة الإسرائيلية، رغم أن إسرائيل فرضت على عدد من الدول الأوروبية وعلى الولايات المتحدة أن يتعاملوا مع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال كإرهابيين، وفرضوا ذلك على عائلاتهم حين طالبوا الدول الأوروبية التي تمنح السلطة الفلسطينية مساعدات مالية منتظمة، بأن تمنع تقديم جزء من هذا المال لعائلات الشهداء الفلسطينيين أو الأسرى لأن هذه العائلات إرهابية بنظر الحكومة والقوانين الإسرائيلية.
إذا أصبحت قوانين الاحتلال الإسرائيلية سارية بهذه المضامين، فإن إسرائيل ستطلب من الدول العربية في المستقبل عدم منح الفلسطيني أي مساعدات، لأن جميع الفلسطينيين ستعدّهم إسرائيل إرهابيين ما داموا يحافظون على هويتهم الفلسطينية، فماذا ينتظر العرب؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن