قضايا وآراء

حزام واحد طريق واحد: هل هي الطبعة الثالثة من العولمة؟

| د. بسام أبو عبد الله 

يعقد في العاصمة الصينية بكين يومي 14-15 أيار الحالي مؤتمر الحزام والطريق للتعاون الدولي، الذي كان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد دعا إليه في مؤتمر دافوس الاقتصادي في 17 كانون الثاني الماضي، وذلك بهدف مناقشة طرق التعاون وبناء منصاته والتشارك في ثماره، إضافة إلى مناقشة المشكلات التي تواجه الاقتصاد على المستويين الإقليمي والعالمي، وكذلك طرح مبادرات جديدة لتعزيز العلاقات بين الشعوب على طول مسار الحزام والطريق.
مشروع «الحزام والطريق» هو مشروع الصين الإستراتيجي في القرن الحادي والعشرين، وقد أطلق الرئيس الصيني مبادرة المشروع عام 2013 لإنشاء شبكة تجارة، وبنية تحتية تصل الصين مع آسيا وأوروبا وإفريقيا، عبر وصل الصين مع أقصى نقطة في غرب أوروبا «الحزام»، وربط الصين عبر مسار بحري للمتوسط «الطريق»، وسوف يغطي هذا المشروع حوالي 65 بالمئة من سكان العالم، وثلث الناتج الإجمالي العالمي، وربع البضائع والخدمات التي تتحرك في العالم.
حسب المعلومات التي ظهرت معي خلال البحث فإن الصين استثمرت منذ عام 2013 «أي عام إطلاق المشروع» أكثر من 50 مليار دولار في بلدان الحزام والطريق، وبنت الشركات الصينية حتى نهاية عام 2016 «56» منطقة اقتصادية للتعاون التجاري، والاقتصادي في أكثر من 20 دولة على طول الحزام والطريق، كما وقعت أكثر من 130 اتفاقية ثنائية وإقليمية في مجال النقل مع بلدان على طول الحزام والطريق، إضافة للمساهمة بـ50 مليار دولار لصندوق طريق الحرير الذي يمول مشروعات الحزام والطريق.
تتحدث المصادر الغربية عن أهمية بنك استثمار البنية التحتية الآسيوية الذي وصل رأسماله إلى 100 مليار دولار، وتدعمه الصين، إضافة إلى أن استثمارات بنك التنمية الصيني وصلت إلى أكثر من 890 مليار دولار في أكثر من 900 مشروع في ستين دولة في العالم.
إن إجمالي هذه المشروعات يهدف إلى بناء بنية تحتية قوية تساعد في دفع المبادرة الصينية، وزيادة التبادل التجاري، ودعم التواصل بين آسيا وأوروبا وإفريقيا ضمن إطار هذا المشروع العملاق.
ما من شك أن هذا المشروع الصيني العملاق سوف يكون قادراً على زيادة النفوذ السياسي، والاقتصادي الصيني في العالم، ولكن نقطة الخلاف الجوهرية بين الصين والغرب هي أن الغرب عمل عبر قوته العسكرية، وتدخله في شؤون الدول، وخرقه لميثاق الأمم المتحدة، وعدم احترام مصالح الشعوب للهيمنة الاقتصادية، أي استخدام القوة كأداة رئيسية، على حين إن الصين تريد أن تقدم نموذجها الخاص عبر القوة الناعمة، وليس القوة العسكرية، أو الإكراه الاقتصادي الذي اشتهر به العالم الغربي.
لقد شهدت السياسة الخارجية الصينية نقلة نوعية خلال السنوات القليلة الماضية، وهي السياسة التي ظلت فترة طويلة هادئة، وبعيدة عن الأضواء، أو إعلاء الصوت في وجه الهيمنة الغربية، وظهرت هذه السياسة بوضوح شديد في الحالة السورية عندما استخدمت بكين في حالة نادرة حق النقض الفيتو ست مرات لمنع مشروعات قرارات أميركية غربية من المرور في مجلس الأمن، إذ إن بكين أرادت أن تقول للغرب: «كفى» قلة احترام للقانون الدولي، و«كفى» انتهاكاً لسيادة الدول، وآن للغرب أن يحترم مصالح شعوب المنطقة والعالم، من أجل عالم أكثر استقراراً وازدهاراً.
الصين لم تكتفِ باستخدام الفيتو بل إنها عبر مشروع «الحزام والطريق» تقدم بديلاً اقتصادياً، وتنموياً حقيقياً، وفعلياً يحترم الدول والشعوب، ويعمل على تحقيق نهضتها على مبدأ «رابح، رابح» الذي نسيه الغرب، وطبقه الصينيون، ليكسبوا الاحترام في أنحاء العالم كافة.
إن مشروع «الحزام والطريق» سيمر في مناطق عديدة في آسيا وأوروبا، وأما الطريق البحري فسوف يشمل مشروعات بنى تحتية من جنوب آسيا، لشرق إفريقيا، لشمال المتوسط، ولكن طبيعة هذا المشروع أنه تعاوني ومنفتح على الجميع.
بعض المنظرين الأميركيين يرون فيه تهديداً حقيقياً للهيمنة الأميركية، على حين يبدي مسؤولون أميركيون آخرون الرغبة في التعاون بين دول الغرب وبنك الاستثمار الآسيوي، لكنهم لا يستطيعون إنكار حقيقة أن توسع شراكات الصين سيصاحبها نفوذ أكبر لها، كما أن زيادة التكامل بين الصين وباقي دول العالم سوف يزيد من اعتماد هذه الدول على بكين، وإذا أضفنا إلى ذلك أن دخول الشركات الصينية وتمويل المشروعات ونشر التقنيات وتحسين العلاقات الشعبية والثقافية هي عوامل سوف تحسن من نفوذ الصين العالمي على حساب العولمة التي كانت تقودها أميركا فإن ذلك قد يكون وراء لجوء الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحمائية لمواجهة التنين الصيني الصاعد.
إن استمرار نهوض الصين، وبروزها كقوة عالمية في مواجهة الهيمنة الاقتصادية الأميركية، هو مكسب للكثير من الدول الفقيرة، والنامية لإنتاج نظام عالمي جديد يقوم على التعددية، وتغيير موازين القوى بين الشمال والجنوب.
بالطبع إن مشروع «الحزام والطريق» الذي تشكل سورية جزءاً أساسياً فيه باعتبارها نقطة تلاق لقارات وحضارات، هو فرصة لنا لعقد شراكات إستراتيجية مع الصين، وكل القوى الصاعدة في العالم، وإنهاء عقدة الغرب المزمنة لدينا، وتنفيذ إستراتيجية الرئيس بشار الأسد «التوجه شرقاً» بهدف تعزيز مناعة، وقوة سورية، وهي البلد الذي يواجه إرهاباً معولماً بهدف السيطرة عليه، ووقف صعود القوى الجديدة في العالم كالصين وروسيا وإيران.
ولأن هذا المشروع الصيني العملاق فيه مصلحة للعديد من الشعوب، والدول، لكن ليس من السهل أبداً بناء الجسور بين بلدان، ومناطق فيها لغات وثقافات وأديان مختلفة، وهذا هو التحدي الأكبر الذي يقف أمام الصين، والذي يحتاج بالتأكيد إلى تفاعل بينها وبين كل هذه المناطق المختلفة، وكذلك إلى بناء جسور شعبية وثقافية إضافة إلى الاقتصادية وهو طرح بديل لصراع الحضارات الذي تحدثت عنه وطبقته ثقافة الكاوبوي الأميركية.
يبدو أن ما قاله الصحفي الأميركي توماس فريدمان قريب للواقع، وتسليم به من وجهة النظر الأميركية إذ يرى: «إنه إذا كانت مرحلة العولمة الثانية هي عولمة الشركات الغربية، فإن الطبعة الثالثة من العولمة هي أقرب لكونها ذات طابع دولي، وأكثر تعاونية وأقل أحادية، وهي عولمة سلمية، وشاملة للجميع» الأمر الذي يؤكد القناعة الأميركية بانتهاء عصر الأحادية القطبية، ودخول العالم الطبعة الثالثة من العولمة، حسبما يقول فريدمان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن