قضايا وآراء

إعادة تأهيل الوهابية

| عبد المنعم علي عيسى

تشي التحركات وكذا القرارات السعودية الأخيرة بأن ثمة مباركة أميركية كان قد تلقاها ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان عشية لقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في مطلع آذار الماضي، وهي تقر له بتجاوز ابن عمه وليُّ العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية محمد بن نايف الأمر الذي دفع سريعا نحو ترتيب البيت الداخلي السعودي تمهيدا للقادم الجديد، ولذا فإن القرارات التي أصدرها العاهل السعودي 22 نيسان الماضي تصب في هذا الاتجاه وهي لا تعدو أن تكون تفصيلا للهيكلة السياسية السعودية على مقاس عباءة بن سلمان على حين نرى أن هذا الأخير كان مستعجلا في أداء خطاب القسم الأمر الذي فعله في اللقاء الذي أجرته معه قناة العربية وبثته يوم 2 أيار الجاري وفيه تعهد بنقل الحرب إلى الداخل الإيراني بدلا من انتظارها إلى أن تصل إلى داخل بلاده وما سبق هو رسالة للأميركيين فقط وهي تظهر استعداد المليك الجديد للقيام بالمهام الموكلة اليه.
شهدت العلاقة الأميركية السعودية ما بعد أحداث أيلول 2001 توتراً عميقاً لكن خفيا فتقرير اللجنة المكلفة التحقيق بتلك الأحداث أدان السعودية بما لم يتكشف كله حتى الآن إلا أن البرغماتية الأميركية فرضت على مسار معاقبة السعوديين البقاء في حالة الضوء البرتقالي بانتظار حدوث انفكاك تام بين الاقتصادين الأميركي والسعودي وهو ما تحقق جزئيا عندما أعلنت واشنطن أواخر العام 2015 عن وصولها إلى حال الاكتفاء الذاتي من النفط الصخري وبذا بدأت تتكشف محطات ذلك المسار الذي يفترض معاقبة خزان الوهابية أو تجفيفه وهو ما أرسى أرضيته باراك أوباما على مدى السنتين الأخيرتين من ولايته الثانية إلى أن أقر الكونغرس الأميركي في أيلول 2016 قانون جاستا الذي يشكل سكينا مشهرة على عنق السعودية، آنذاك قيل إن القرارات في هذا الاتجاه لا دخل لباراك أوباما فيها وإنما تعود للمؤسسة الحاكمة الأميركية ولذا فإن لها طابعا عابرا للإدارات ولا يلعب ساكن البيت الأبيض أياً يكن دوراً مهما فيها ولربما ثبت الكثير مما يحقق مصداقية لهذه الفرضية الأخيرة فقد بدا ترامب الانتخابي وكأنه سيكون محطة تصعيدية تفوق محطات اوباما كلها قبل أن تبرز إلى العلن نبرة التصعيد تجاه إيران مع وصوله إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني الماضي وصولاً إلى تشكيل ترامب لجنة خبراء في 20 نيسان الماضي مهمتها دراسة اتفاق فيينا في 14 تموز من العام قبل الماضي على مدى تسعين يوماً للوصول إلى توصيات بشأن هذا الاتفاق الأخير، فيما بعد تسارعت خطوات ترامب في هذا السياق ليعلن يوم 4 أيار الجاري عن أن زيارته الخارجية الأولى ستكون للرياض يوم 23 الجاري ومنها سيعمل على تأسيس تحالف جديد في مواجهة إيران والإرهاب.
السؤال المشروع هنا لماذا حصل هذا؟ أو لماذا انعطف المسار الذي اختطته المؤسسة الحاكمة الأميركية؟ وإذا ما أردنا الإجابة عن الأسئلة السابقة يمكن لنا القول إن القرار الإستراتيجي الأميركي المتخذ في كانون ثاني 2002 هو هو ولم يتغير وما تغير هو التكتيك الذي فرضته معطيات جديدة أهمها:
1- لا خيار آخر يبدو أمام ترامب في استخدام جبهات إقليمية لمواجهة جبهات أخرى ومادام التقييم الذي يعطيه ترامب لإيران يقول إن هذه الأخيرة غير قابلة للتطويع أو التدجين وما دام اتخذ كما يبدو قراراً بتطويعها فلا بديل من الخليج أو السعودية تحديدا في مسار كهذا.
2- التصعيد الأميركي تجاه سورية وإيران من شأنه أن يشكل بالنسبة للسعودية مفتاحا سحريا قادراً على فك شفرة خزائن المال الاحتياطية السعودية إن لم يكن للخليج برمته.
3- لربما كانت هناك لدى ترامب توجهات باستخدام الوهابية من جديد ضد قوى منافسة مثل روسيا والصين ما يتطلب إعادة تأهيلها من جديد وهو ما يفسر الحراك المكثف الذي يقوم به ترامب في هذا الاتجاه مؤخراً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن