قضايا وآراء

«سلال جنيف» الناقصة

| مازن بلال 

تكشف حزمة التفاوض في جنيف عن خلل واضح في بنية الحل السياسي، فالتأسيس لواقع سياسي جديد لم يعد يشمل سوى مساحة افتراضية من الأرض السورية، على حين تشهد الجغرافية واقعا آخر يعبر في جوهره عن محاولة تبديل نوعي في طبيعة «الدولة السورية»، ومنصات جنيف تطفو على مساحة من الاقتراحات والمحاولات لإيجاد توافقات هي أبعد ما تكون عن نوعية الاشتباك الحاصل، فالدستور والانتخابات والحكم وحتى محاربة الإرهاب، يتم رسمها بطريقة مختلفة، وتتشكل عوامل على الأرض تجعل من التفاوض حركة في فضاء مختلف لا يملك أي حوامل سياسية أو اجتماعية قادرة على تنفيذ أي مشروع.
عمليا فإن جنيف يحاول تقريب وجهات النظر لـ«مبادرات» تحملها «قوى» سياسية، وبغض النظر عن قدرة هذه القوى في التأثير، لكنها ملتزمة بمسار سياسي انطلق قبل أربع سنوات، ولم تتم أي محاولة في مقاربة هذا المسار مع التوزع الفعلي للقوى على الأرض السورية، أو معالجة طبيعة الصورة المرحلية التي أنتجها الصراع على سورية، فالمسار السياسي في جنيف معني بأمرين:
– الأول: خلق «نخبة سياسية» داخل أي حل قادم، فالمسألة لا تبدو بمخرجات توافق سوري بل بضمان توازن على مستوى هذه «النخبة»؛ من دون أي اعتبار فيما إذا كانت تعبر بالفعل عن توجهات أو مشاريع سورية.
إن مسألة «النخبة» الجديدة تبدو متناقضة تماماً مع تطورات الحدث السوري، ورغم كل المحاولات في ضبط إيقاع العمل السياسي مع ما يجري من تسارع عسكري، إلا أن الواقع فرض في النهاية فصلاً واضحاً بين الجانبين، فظهرت أستانا كبديل عن عدم القدرة على جعل «النخبة» الجديدة ممثلا للفصائل المسلحة على الأرض، وجميع اللقاءات في أستانا لم تستطع أيضاً ضمان كل التعقيدات العسكرية وفصل الإرهاب بشكل واضح لتأمين جبهات عسكرية؛ يمكن منها الانطلاق لتفكيك النزاع بشكل كامل.
– الثاني: إيجاد معادلة سياسية خارج مفهوم السيادة السورية، فجنيف1 كان اتفاقاً دوليا، فرض مسارا سياسيا يُخرج الحل من «الحوار» إلى التفاوض، وأي نتيجة مرتقبة من هذا الأمر ستكون مرتبطة بإرادات مختلفة وليس فقط بإرادة السوريين.
بقي جنيف ضمن الحد الأدنى في قدرته على تحقيق الأمرين السابقين، فالجغرافية السورية فرضت تشتيتا واضحاً لأي حل يتم فرضه إقليميا أو دوليا، والحلول الدولية كانت تنتظر توافقات متعددة، وتحاول تجميع تناقضات على المستويين الإقليمي والدولي، والشراكات الإقليمية في الحل السوري مستحيلة، فهي تظهر فقط في لحظة احتدام المعارك وتغيب عند التفكير في مخرج سياسي، كما أنها تبدو حساسة جداً بالنسبة للنظام الدولي الذي يعرف أن سورية عقدة التقاء الأزمات، ولا يمكن بناء توازن فيها دون إعادة رسم التوازن الإقليمي بالكامل وهو أمر يبدو صعباً في هذه اللحظة.
سيعيد المبعوث الدولي لسورية ستيفان دي ميستورا، الأسئلة التقنية نفسها على المشاركين، وستعود المنصات للتفكير في الدائرة المغلقة نفسها وهي تنتظر ضمانات دولية لتطبيق الحلول، على حين تحاول كل دول الإقليم القيام بالمناورات الخطرة التي تريد تبديل الجغرافية السورية، وتشكيلها كجزيرة منعزلة، وستكتشف لاحقا أن مسألة «عزل الجغرافية» عبر خلق مناطق نفوذ على طول الحدود السورية لن يخلق أي توازن جديد، فالقواعد الكلاسيكية القديمة لا تزال سارية، وسورية بمناطق نفوذ أو بغيرها تحتاج لتوافق داخلي ينظم المصالح الدولية، ويدير التناقض الإقليمي القائم اليوم، وجنيف سيبقى لقاءات بانتظار إخفاق جدران العزل التي يقيمها الجميع ويتصارعون عليها حول سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن