ثقافة وفن

استقبال الأستاذ الدكتور عبود السراج عضواً في مجمع الخالدين … السراج: على مدى نصف قرن أكتشف أمية المتعلمين وعجزهم عن فهم لغتهم حتى وهي بين أيديهم

| سوسن صيداوي

مجالات الحياة كثيرة ومتنوعة، ومع ازدياد سرعة عجلة التطور في الأمور التقنية والتكنولوجيا، تصطدم اللغة دائماً بالكثير من المطبات، وتقع تحت وطأة الفخاخ التي تعمل على تهميش اللغة والإضرار بقوة ثباتها وقدرتها التعبيرية ومرونتها، التي كانت ومازالت قادرة على تلبية الحاجات مهما بلغت من تطور، وبالعودة إلى تلك المجالات لابد لنا من التركيز، وبسبب المناسبة، على المجالات الحقوقية التي تعتمد في توضيح موضوعاتها المعقدة على المكوّنات اللغوية ومن ثم القدرة على فصاحة الكلام، وبلاغة التعبير. وبما أن كل مجالات الحياة هي معنية باللغة العربية وليست بغريبة عنها، أقام مجمع اللغة العربية حفل استقبال للعضو الجديد الدكتور عبود السراج، حيث تم تقليده الشارة المجمعية في قاعة المحاضرات بالمجمع.

اللغة الحقوقية
في كلمة رئيس مجمع اللغة العربية الدكتور مروان المحاسني، أشار إلى المسار التصاعدي الذي يسير به عالم التقانة لتطوير الوسائل، والذي غايته ليست سوى التسلّط على أهم مكوّنات إنسانية الإنسان، الذي بدأ يفرض وجوده في الحياة اليومية للشعوب، باقتحام لُبِّ الشخصية الثقافية وتعكير صفاء اللغة العربية والتي هي عماد هويتنا، مضيفاً: «المجالات الحقوقية تستند إلى مُعظم المكوّنات اللغوية التي يحتاج إليها كل من يسعى إلى توضيح الموضوعات المعقّدة، وصولاً إلى إيجاد الحلول المناسبة لها، مُرتَكِزاً إلى حُسن البيان، وفصاحة الكلام، وبلاغة التعبير». متابعاً أن لغة الحقوق هي لغة العقل المبنية على القواعد المنطقية القادرة في النهاية على إزالة كل الشبهات ودحض كل الشكوك قائلاً: «وأما عالم الحقوق فلا بُدَّ لنا من تأكيد قناعتنا بأنه مازال عالماً إنسانياً، يدافع عما نشأنا عليه من قيمٍ واعتبارات وعلاقات، نابعةٍ من أعماق حضارتنا العربية الإسلامية، التي بُنيت مجتمعاتنا على أُسُسها، وهي التي تدفعنا دوماً إلى إحقاق الحق متى وجدنا إلى ذلك سبيلاً، وإلى نَجدة الضعيف وصَون مجتمعنا من الانجرار في الانحرافات الكاذبة للحداثة، خوفاً من النكوص إلى متاهاتِ الاستخفاف بالقيم، والغَرَق في أمواج الأثرة والتضليل».
سيرة ذاتية

من جهته قدم الدكتور موفق دعبول عضو المجمع، سيرة ذاتية عن العضو الجديد الدكتور عبود السراج، متحدثا عن طبيعته الشخصية الهادئة والواثقة جدا، وعن أسلوبه في الحديث من خلال عباراته وجمله الواضحة والمدروسة وأفكاره الموضوعية، إضافة إلى حسن تواصله مع الأشخاص، هذا من الناحية الشخصية أما ناحية سيرته العلمية فقد ذكر د. دعبول أن الدكتور عبود السراج نال الدكتوراه في الحقوق من جامعة السوربون بباريس، والتحق بالتدريس في كلية الحقوق بجامعة دمشق 1971، وأصبح رئيساً لقسم القانون الجزائي ثم أستاذاً بكلية الحقوق ليتولى منصب عميد كلية الحقوق، وبأنه عمل مدرساً في عدد من الجامعات العربية، وشغل منصب قاض في مجلس الدولة، كما يحمل وسام السعفة الأكاديمي بدرجة فارس من فرنسا، وحائز جائزة أفضل أطروحة في الدكتوراة في القانون الجزائي والعلوم الجزائية. وعن مؤلفاته العلمية ذكر د. دعبول أن السراج قام بتأليف ما يزيد على عشرة كتب ومئة بحث منشور باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية في مجالات علمية بمواضيع شتى، إضافة إلى عدد كبير من الأبحاث التي أضفت على القانون نكهة خاصة.

السراج في النشأة
في بداية حديث العضو الجديد ذكر جانبا من طفولته وبيّن سبب تعلقه باللغة العربية واهتمامه بها منذ الصغر قائلا «منذ طفولتي وأنا شغوف باللغة العربية، ربما لأنني نشأت في أسرة تقرأ القرآن الكريم، وتردد الأحاديث النبوية الشريفة، وتراجع أحداثاً من تاريخ العرب والإسلام. لذلك لم أكن أتجاوز العاشرة من عمري عندما كنت أحفظ أجزاءً من القرآن والحديث، وغير قليل من التاريخ الإسلامي. وعلى الرغم من وجود مكتبة واسعة في منزل العائلة الكبير، إلا أنني كنت كثيراً ما أستأجر كتباً من مكتبة متخصصة بكتب الأدب العربي القديم، أو أستعيرها من مكتبة المدرسة أو مكتبة الأوقاف في دير الزور. وعندما أصبحت طالباً في كلية الحقوق بدمشق بدأت بالتردد على المكتبة الظاهرية والمركز الثقافي العربي في أبي رمانة، كلما سنحت الفرصة لذلك. بدأت صلتي بمجمع اللغة العربية عندما دعاني أستاذي الكبير وصديقي الدكتور عبد الوهاب حومد إلى حضور حفل استقباله في المجمع، وكان ذلك في السادس عشر من شهر تشرين الأول عام واحد وتسعين وتسعمئة وألف، في قاعة المكتبة الظاهرية بدمشق؛ ومنذ ذلك التاريخ وأنا أتابع أخبار المجمع ونشاطاته، وأقتني عدداً من مطبوعاته».

حال اللغة العربية
تحدث د. السراج عن واقع اللغة العربية المؤلم وما يدور حولها من جهل كبير فيه الكثير من الإساءة لها أولا، ثم أساء لنا نحن وخاصة أن اللغة العربية هي لغتنا الأم، متابعا «إننا أمام طريق شاقٍ وطويل. فيكفي أن نقرأ أو نسمع في وسائل الإعلام، أو في محاضرة تلقى في ندوة أو في مركز ثقافي، حتى نشعر بالإحباط. وأنا شخصياً أعترف بما يصيبني من هم وغمٍ، وأنا أصحح الأوراق الامتحانية لطلاب كلية الحقوق على مدى نصف قرن من الزمن، وأكتشف أمية المتعلمين وعجزهم عن فهم لغتهم وحفظها، وحتى عن مجرد محاولة التعرف عليها وهي بين أيديهم».
وحول أهمية اللغة العربية وأساليب تعليمها تحدث أنه أمر يجب أن يبدأ من العائلة وأن هناك تقصيراً كبيراً في المناهج المدرسية متابعا «منهجية تعليم اللغة العربية في مدارسنا قاصرة. فتعليم اللغة يجب أن يبدأ من داخل الأسرة، وإن مرحلة التعليم الأساسي هي المرحلة الحاسمة في حياة التلميذ، ولكن هذا مع مزيد الأسف لم يتحقق، ليس في سورية فحسب وإنما في الدول العربية الأخرى التي زرتها جميعاً. إن المِعْوَل الذي يهدم اللغة العربية في مجتمعاتنا هو العامية التي يحملها إلينا الجهل والأمية والشارع والتلفاز والسينما والمسلسلات العربية». كما أشار إلى أن المشكلة ليست في اللغة العربية أو في تعقيدها حتى تكون صعبة المنال على المتعلمين وحملة الشهادات الجامعية، مشيراً إلى أن المشكلة فينا نحن قائلاً: «إذا ما رجعنا إلى أجدادنا العرب، نجد السواد الأعظم منهم كانوا أميين، ومع ذلك فهم يتقنون لغتهم أباً عن جد، ثم يصبحون أدباء أو شعراء أو رواة أدب وشعر وتاريخ. وجميعنا يعلم أن نزول القرآن على العرب لم يكن مصادفة؛ إنه تنزيل من رب العالمين. إن من يعرف اللغة العربية حق المعرفة، ويكتشف أسرارها، ويتذوق جمالها، فسوف ينتهي إلى القول: إن لغة كهذه لا يمكن أن تصدر إلا عن شعوبٍ وأقوامٍ على درجة عالية من الحضارة الإنسانية. لذلك أنا أرفض المقولة التي يرددها بعض الناس من أن العرب كانوا قبل الإسلام غارقين في عصر الجاهلية. إن هذه المقولة باطلة يرفضها العقل والمنطق، وتدحضها الحقائق العلمية والتاريخية. نحن أيها السادة من يعيش في عصر الجاهلية».

عزيز شكري
في كلمة العضو الجديد الدكتور عبود السراج تحدث عن سلفه الراحل الدكتور عزيز شكري، مبيناً أنه كان زميلا له وصديقا جمعته به مراحل ومحطات من الحياة المتشابهة على مدى نصف قرن من الزمن متابعا «تخرج د. عزيز في كلية الحقوق في الجامعة السورية عام تسعة وخمسين وتسعمئة وألف. كان مجلس الدولة حينها حديث النشأة في سورية ويعين قضاته من بين الخريجين الأوائل، فتم تعيين د. عزيز عضواً في مجلس الدولة. ولكنه لم يلبث الأمر غير بضعة أشهر حتى اختارته وزارة التربية والتعليم والجامعة السورية لمنحة لدراسة القانون الدولي في أميركا، قدمتها إلى سورية جمعية أصدقاء الشرق الأوسط. وقد سافر د. عزيز إلى أميركا في الشهر الرابع من عام ستين وتسعمئة وألف. خطا د. عزيز في أميركا خطوات موفقة؛ حصل على الماجستير من جامعة فيرجينيا، ثم الدكتوراه من جامعة كولومبيا، وبينهما تزوج من السيدة ملك العاني. تم تعيينه معيداً في الكلية لأنه لم يمض على إيفاده خمس سنوات، ولكنه عُيّن مدرساً فيها عندما أتم السنوات الخمس. أنهى د. عزيز دراسته في أميركا بسرعة قياسية. فبعد أربع سنوات وخمسة أشهر من تاريخ إيفاده عاد إلى دمشق وهو يحمل شهادة الدكتوراه في القانون الدولي. والتحق بكلية الحقوق في الشهر التاسع من عام أربعة وستين وتسعمئة وألف، وكنت يومها معيداً في كلية الحقوق قيد الإيفاد. عمل د. عزيز عميداً لكلية الحقوق بجامعة دمشق عام ستة وثمانين وتسعمئة وألفٍ، ولمدة ثماني سنوات، وعميداً لكلية العلاقات الدولية والدبلوماسية في جامعة القلمون الخاصة في عام اثنين وألفين، ثم مديراً عاماً لهيئة الموسوعة العربية من عام أربعة وألفين إلى أن وافته المنية في العاشر من كانون الأول عام اثني عشر وألفين. كما عمل مستشاراً قانونياً لوزارة الخارجية السورية، ولجامعة الدول العربية، ولحكومة الكويت، وشارك في عدد كبير من المؤتمرات العربية والدولية».
والجدير بالذكر إشارة د. السراج إلى عدد الكتب والبحوث المنشورة للدكتور شكري، منوها بأنه كتب في القضية الفلسطينية عندما عمل محرراً مؤازراً في الموسوعة الفلسطينية، متوقفا في الحديث حول باكورة كتبه والذي ألفه وهو في الكويت في عام ثلاثة وسبعين وتسعمئة وألف، كتابه «التنظيم الدولي العالمي» الذي شرح فيه التنظيم الدولي نظرياً وواقعياً، مع قسم يتعلق بحقوق الإنسان والحريات العامة. وكتاب «الإرهاب الدولي.. دراسة قانونية» الصادر عن دار العلم للملايين في بيروت عام اثنين وتسعين وتسعمئة وألف، وقدم له الدكتور سليم الحص رئيس مجلس الوزراء اللبناني. منوها بأن هذا الكتاب كان أُعد أصلاً باللغة الإنكليزية عندما أوفد د. عزيز بمنحة من مؤسسة فولبرايت الأميركية، لمدة سنة واحدة أمضاها في جامعة هارفارد لإعداد هذا الكتاب، الذي تم نشره في الولايات المتحدة الأميركية، عام واحد وتسعين وتسعمئة وألف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن