قضايا وآراء

وثيقة حماس: لا شيء يستحق الثمن

| عبد المعين زريق

إذا كانت حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية قد تمكنت عبر اتفاقية أوسلو واعترافها بـإسرائيل من الحصول على حكم صوري وسلطة محدودة في غزة وأريحا وتتويج رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الأسبق ياسر عرفات رئيساً لما سمي دولة «السلطة الفلسطينية» التي ما زالت تعاني مشكلات شرعية واعتراف العالم بها، فإن السؤال الملح: ما المقابل الذي وعدت به حركة حماس لتقوم بإصدار وثيقة الاعتراف بحل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967 بشكل ينقض كل التراث النضالي لحركات المقاومة وتضحياتها التاريخية؟
إذا كان الإغراء المهول الذي قُدم للمشروع الإسلامي في المناطق العربية، بروافعه القوية وضماناته الأميركية وصعب المقاومة ببريقه الأخاذ، فإن «المشروع الإسلامي الإخواني» الذي بدا أنه على وشك أن يجتاح الأقطار العربي في بداية «الربيع العربي» وثوراته الأتبورية، تحول إلى قطار اقتحم بسرعة هائلة المنطقة كما يخترق السكين قوالب الزبدة الرخوة.
ظهر أن هذا المشروع المتوافق مع التوقيتات الغربية وأنغام المايسترو الأميركي، يأتي بضماناته وتحت سقوفه المفروضة كالاعتراف بإسرائيل والتصالح مع الغرب، وفتح الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الطريق لمثل إسلام سياسي كهذا، عبر خطاباته المشهورة لشعوب المنطقة في القاهرة وإسطنبول، حين جاءها مبشراً بالإسلام الجديد الذي سيحل معضلة إسلام متطرف رديكالي ضرب أميركا في ما دعي بالفقه الجهادي «غزوة مانهاتن».
وحاول أوباما المراهنة على الإتيان بإسلام إخونجي متصالح مع الغرب وينهي الهاجس الغربي والأميركي الذي ساد في بدايات القرن الجديد تحت تساؤل: لماذا يكرهوننا العرب والمسلمون؟
كانت روافع المشروع الإسلامي المندفع، ضمانات أميركية قدمها أوباما واعترفت بها وزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون أخيراً، من خلال مشروع خلق دولة إسلامية في المنطقة إخوانية الطابع، عدا عن اقتصاد نفطي غازي قدمته دولة قطر بسخاء باذخ، وهي التي أطلق على أميرها السابق «أمير الربيع العربي»، وأصاب الغرور كل السياسيين والإعلاميين في قطر وصاروا يحددون للأنظمة الحاكمة في المنطقة العربية مواعيد الرحيل بالشهر واليوم وحتى بالساعات، وبنموذج حكم تركي «ساحر» إسلامي إخواني الطابع والهوى للمنطقة، عُمل على اصطناعه خلال عقد كامل عبر اقتصاد ريعي يعتمد على بنوك وأموال بشكل رئيسي، وتم خلاله غض الطرف الغربي عن تجاوزات ديمقراطية واضحة في اللعبة المعهودة بين الإسلاميين والجيش التركي.
انقلبت حماس مع بدء الموجات الأولى على مواقعها القديمة في المقاومة، وأعادت اصطفافها الإيديولوجي مع التيار الإسلامي المجتاح وحركة الإخوان المسلمين التي سيطرت على الحكم في مصر وليبيا وتونس، إضافة إلى تركيا والسودان وقطر والمغرب، وبدت سورية محطة لا يمكن أن تعاند هذا الاجتياح المتسارع لوصول الإسلاميين إلى السلطة في المنطقة، وكان من العبث المراهنة على مناقبية أخلاقية ووفاء، من حركة حماس لسورية ومحور المقاومة في ظل إغراء مصالح وبريق سلطة إخوانية منتظرة منذ عقود.
تعثر المشروع في سورية وتوقف قلبه في القاهرة، بعد إسقاط الحكم الإخواني في ثورة 30 حزيران 2014، وخرج الإسلاميون عن النص في ليبيا، وذهبت أميركا إلى خياراتها الأخرى وخططها البديلة في تخريب البلدان وإنهاكها بالفوضى.
إن تحول قيادات حماس وانتقالهم من سورية إلى قطر، بجانب القواعد الأميركية وبحمايتها، كان ينبئ بما قيل إن قطر، بوضعها الراهن كرأس حربة وممثل ومتعهد ووسيط للمشروعات الأميركية، لن تقدم لحماس إلا تقاعداً مبكراً لبندقية المقاومة ورواتب للمناضلين ممن أغرتهم حياة العولمة وبريق السلطة.
لا يبدو اليوم الثمن الذي ستقبضه حماس مساوياً لما حصلت عليه منظمة التحرير الفلسطينية والرئيس عرفات قبلاً، واليوم بعد صدور وثيقة حماس الجديدة من قلب الدوحة وبهذه المظهرية المسرحية عبر الربط بالفيديو بين حماس الداخل وقياداتها المترهلة في الخارج، تصل حماس إلى منطقة أقرب بحرق الورقة الأخيرة أو الانتحار في المحطة الأخيرة، ويظل التساؤل ما الثمن؟
للأسف ما من ثمن مجز لهذا التصرف وهذا الاعتراف وهذا الانقلاب، ولا شيء يستحق كي تنقلب حماس على تاريخها مرة أخرى وتقبل ما عاشت طوال عقود ترفضه وتصدم تاريخاً طويلاً من النضال العربي والفلسطيني.
الشيء الواضح أن المشروع الإسلامي الإخواني وهو يعيش أزماته وهزائمه في المنطقة، يحرق آخر ورقة له وهي مقاومة حماس، ومن غير المعروف من سيحمل هذه الورقة المحروقة للرئيس الأميركي المقاول دونالد ترامب، وخاصة بعد أن رفضتها قيادات الكيان الصهيوني، وأعربت أن هذا خداع للعالم تقوم به حماس. فدولة الكيان غير جاهزة لإعطاء أي ثمن حتى مجرد تصريح إعلامي مشجع لتنازلات كهذه.
هل من سيقبض الثمن هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المأزوم أم بقايا نواطير وغلمان محميات نفطية ما زالوا يعملون كوسطاء وممولي إرهاب ومشروعات أميركية عند الطلب؟
للأسف حماس تحرق نفسها مرة أخرى ولا شيء يستحق الثمن!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن