قضايا وآراء

«أستانا4».. رغم التحديات يبقى التفاؤل موجوداً

| صياح عزام 

لا يمكن القول إنه بمجرد الإعلان عن مناطق تخفيف التصعيد في سورية، وفقاً لمقررات «أستانا4»، بات الطريق سالكاً وآمناً أمام وقف إطلاق شامل للنار وتوقف القتال، حيث هناك تحديات جوهرية لم تغب عن أذهان صناع القرار السياسي والعسكري والأمني أهمها: الوجود الوازن لمجموعات إرهابية فيها، حسب تصنيف مجلس الأمن الدولي، لا زالت تتلقى الدعم الخارجي سراً وعلناً، في مقدمتها تنظيم داعش الإرهابي وما يرتبط به من مجموعات إرهابية أخرى مثل «جيش خالد بن الوليد» في المنطقة الجنوبية وغيره في مناطق أخرى، فضلاً عن جبهة النصرة الإرهابية التي تحتفظ بنفوذ وشبكة علاقات واسعة مع فصائل أخرى، هذا إلى جانب «الحبل السري» الذي يربطها بإسرائيل عبر الجولان السوري وأطراف درعا.
إذاً، هذا هو التحدي الأول أمام «مذكرة تخفيف التصعيد» والمتمثل بالتنظيمات الإرهابية التي تسمي نفسها «جهادية»، حيث لا مناص من التعامل معها بقوة السلاح تحت مظلة الضامنين للاتفاق، روسيا وتركيا وإيران، وبالطبع استمرار الجيش السوري والمقاومة الوطنية اللبنانية بتأدية واجباتهم في محاربة الإرهاب بدعم من روسيا وإيران.
التحدي الآخر المضمر إلى حد ما، وخاصة في الجنوب السوري، يتعلق بالدور الإسرائيلي في محيط القنيطرة وأطراف درعا، ذلك أن لإسرائيل هدفاً محدداً، وهو تشكيل جيب موالٍ لها على حدودها مع سورية، شبيه بجيب «سعد حداد» أو شريط «أنطوان لحد» الحدودي في لبنان، حيث ترى إسرائيل في مثل هذا الجيب مصلحة لأمنها المزعوم.
بالطبع، فإن مثل هذا الجيب يعد أمراً خطيراً بالنسبة لسورية وحلفائها في حلف المقاومة، وقد تنسق إسرائيل مع النظام الأردني بهذا الشأن، الأمر الذي سيعرض الأردن للرد من قبل سورية، وخاصة إذا تورط النظام الأردني بإرسال قوات إلى سورية ضمن القوات الأميركية والبريطانية المحتشدة على الحدود السورية الآن، بحجة محاربة داعش.
لو كان النظام الأردني يعمل لمصلحة شعبه، لوضع كل جهوده باتجاه إنجاح التهدئة في الجنوب السوري، لأن ذلك يعود بالفائدة على الأردن، حيث ستسمح التهدئة الكاملة بفتح حدوده مع سورية، ولاحقاً مع لبنان وأوروبا، وبالتالي، يستفيد اقتصادياً، أما إذا استمر النظام الأردني بالخضوع للضغوط الأميركية والغربية والتركية والسعودية والقطرية، بحيث يواصل فتح أراضية وقواعده الجوية وحدوده أمام المجموعات الإرهابية، أو أن يقدم على إرسال قوات أردنية في سياق القوات الأميركية البريطانية التي تتمركز على الحدود السورية للدخول إلى سورية بحجة محاربة داعش؛ عندئذ سيتعرض الأردن لمخاطر كبيرة، منها اصطدام جيشه مع الجيش السوري وحلفائه، وهو بغنى عن ذلك، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن الأردن هدف لداعش وجبهة النصرة في وقت لاحق.
هذا بالنسبة لـ«منطقة تخفيف التصعيد» في جنوب سورية، أما المناطق الثلاث الأخرى في إدلب وريف اللاذقية وحماة وشمال حمص والغوطة الشرقية، فما زال الغموض يحيط بها، ويغلف مواقف مختلف الأطراف وخاصة تركيا.
فالميليشيات المسلحة التي شاركت في «أستانا4» قاطعت أعمال اليوم الأول للاجتماع، وغادرت الجلسة الختامية بحركات بهلوانية، متعهدة بعدم الالتزام بالاتفاق.
واشنطن وميليشيات إرهابية تابعة للرياض والدوحة، تعترض على دور إيران كضامن للاتفاق، بالمقابل، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يشك بدوره، لأن بلاده جزء من المشكلة وليس جزءاً من الحل.
ثم إن الاتفاق شدد على محاربة داعش وجبهة النصرة الإرهابيين، إلا أن السؤال المهم هنا: كيف يمكن الفصل بين الميليشيات المسلحة الموافقة على الاتفاق وبين المعارضة له، خصوصاً في مناطق التداخل والتشابك الكثيف والمعقد وهو تداخل جغرافي وأيديولوجي؟
قد يكون عزل داعش ممكناً، ولكن ماذا عن «النصرة» في معقلها بإدلب ووجودها في الغوطة الشرقية، ممثلاً بما يسمى «فيلق الرحمن»، وفي الجولان ودرعا.
وهكذا، إذا لم يتحقق الفصل الجدي بين المجموعات المسلحة الموافقة على الاتفاق وبين جبهة النصرة فسيؤدي هذا الأمر إلى إفلات «النصرة» من الملاحقة.
باختصار، الاتفاق خطوة على طريق إنهاء الحرب الدائرة على سورية، إلا أن تساؤلات كثيرة تدور حوله في ضوء مصالح ومواقف أطراف إقليمية ودولية معروفة، وفي ضوء تعقيدات الميدان، ومع هذا، يبقى التفاؤل موجوداً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن