ثقافة وفن

الزواج… أيامنا وأيام زمان

دمشق- منير كيال

مهما تعددت ظروف الزواج، وتنوعت الخطوات اللازمة لعقد الزواج.. فإن من الممكن القول، إن أسلافنا على نحو من التعاطي قد يأخذون أسلوب المبالغة أو البذخ عما نحن عليه.. أكان ذلك في أواسط العقد الرابع من القرن المنصرم (العشرين) أم فيما سبق من عهود.
ونذكر على سبيل المثال أن فترة الخطبة وما قد يرافقها من لقاء بين الخطيبين، على سبيل التعارف والوقوف على طباع وظروف كل منهما تأخذ أشكالاً عدّة، فقد تكون أن يطلب الشاب إلى أهله، والدته أو مَنْ في حكمها أن تخطب له فتاة تعرف إليها ووجد عندها ما يمكن أن تشاركه حياته الزوجية وبناء أسرة سعيدة.. فإذا كان التفاهم بين أهل الجانبين من النساء، يعمد إلى دعوة الرجال للقدوم إلى أهل العروس على شكل جاهة يطلبون تلك الفتاة كزوجة لذلك الشاب مع بيان أسلوب دفع المعجل والمؤجل من المهر.. ويجري عقد القران من الجانبين، وقد تكون تلك الخطبة بناء على رغبة والدي الشاب بأن يفرحا بولدهما، فإذا وافق الشاب على الزواج، فإن أول ما يخطر على بال الأم ما حولها من بنات الأهل والجيران.. حتى إنها كانت من النادر أن تفكر بزوجة لابنها بعيداً عن هذا النطاق.
وإذا لم تعثر والدة الشاب على بغيتها بهذا النطاق، فإنها قد تعمد إلى الاستعانة بالداية (القابلة) وقد تستعين بناطورة الحمام لما لكل منهما من اطلاع ومعرفة بالعديد من الفتيات اللاتي في سن الزواج، بل معرفة أصل وفصل كل من هؤلاء الفتيات، كما قد تصادف والدة الشاب فتاة خلال استحمامها مع الجارات والمعارف بحمام السوق.
فإذا كان لوالدة الشاب ذلك فإنها تعمد إلى القيام مع أقرب المقربات إليها، بزيارة لدار أهل الفتاة، على سبيل التعارف، وبالتالي تطلب الأم الفتاة زوجة لابنها، بعدها أن يعطى أهل الفتاة فسحة من الوقت للسؤال عن الشاب ووضعه الاجتماعي والمالي وعلاقاته بالآخرين وهل كان على صلة مع فتاة سابقة، فإذا راق لأهل الفتاة وضع الشاب، فيقوم أهل الشاب ومن يرافقه بزيارة لأهل الفتاة، وهذه الزيارة على شكل جاهة للبحث فيما اتفقت عليها النساء من الجانبين فيما يتعلق بالمهر معجله ومؤجله ومن السكن وغير ذلك من الأمور المتصلة بذلك.
وبالطبع فإن ذلك لا يمنع من البحث بتفاصيل أخرى تتعلق بهذا الموضوع من قريب أو بعيد كضمان للمستقبل.
أما ما كان من الزواج لدى الأسلاف بالعهود السالفة فإن ما لحظناه مما أورده المهتمون بهذا الموضوع في العديد من المخطوطات والكتب يدل دلالة لا لبس فيها أن الأسلاف كانوا على نحو من البذخ والترف بل الإسراف في موضوع الزواج في أيامهم- لدرجة أن المرء يوقن أن متطلبات الزواج لدى أسلافنا لا يحتملها الكثيرون من الشباب ولعل هذا يبرر ما نُسب إلى النبي قوله:
«من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».
وبالتالي فقد دفعت المصاريف والأعباء التي يتطلبها زواج المرء إلى الزواج بالفتيات المسعدات (الغنيات)، كثيرة المال: وبالتالي فإننا نجد من الأسر حتى أوائل منتصف القرن المنصرم، لا تسمح بزواج أو تعوق زواج ابنتهم أو قريبتهم إذا كانت من أصحاب المالكانات والأموال، أملاً منهم بميراثها وحتى لا تذهب تلك الممتلكات إلى الأغراب.
ونذكر على سبيل المثال، أن أقرباء الزوج وصحبه، يعمدون إلى إرسال الطعام اللحم محمولاً على رؤوس الحمالين إلى أهل الزوج بحيث يراه الجميع.
ومن ذلك ما كانت عليه مناسبة الزواج لدى المسؤولين والمترفين من الأغنياء من الترف والبذخ والإسراف، فعندما عقد نائب دمشق سيباي لابنته على ابن السلطان الغوري، أخرج سيباي من القلعة عشرين ألف دينار موضوعة بعشرة أكياس، وكل كيس بصدر (صينية) من النحاس محمولة على رأس رحل، بشكل موكب خرج من باب القلعة أشبه بالزفّة يرافقهم الأمراء والقضاة إلى باب القصر بالسراي وإذا كان لأحد الأثرياء من عامة الناس، كنت ترى شباب أهل الحارة يحملون جهاز العروس على البغال، ويتوجهون من دار أهل العريس فيمانعهم أهل حارة العروس من الوصول إلى دار أهل العروس ما لم يقدمون الأغنام هدية لهم، فإذا كان ذلك، فإن أهل العروس يقدمون الطعام للجميع، وبالتالي يقوم أهل العروس بعرض الجهاز والمتاع الذي على ظهور الدواب، ويكون عرض الحلي والمجوهرات على رؤوس الرحال.
وفي الوقت نفسه تكون النساء في شغل شاغل من الأهازيج والأغاني والزغاريد (الزلاغيط) وما إلى ذلك من مظاهر المشاركة بالفرحة لأهل العريس والعروس.
وفي ليلة الدخلة (الزواج) يعمد أهل حارة العريس إلى إقامة الولائم التي تتناسب مع حال أهل العريس المادية والاجتماعية وبالتالي يتبارى الحضور بتقديم النقوط (الهدايا) ولا يخلو ذلك من المواربة كأن يقدم أحدهم نقوطاً (هدية) بمبلغ محدد، فيبالغ المشوبش (المنادي) ذلك المبلغ حرصاً على جعل الآخرين يقدمون نقوطاً أكبر من ذلك النقوط المشار إليه.
وبعد طعام تلك الليلة واستحمام العريس وارتدائه الملابس المناسبة تكون عراضة الزفة وفي هذه الليلة تكون العروس بأبهى ثياب، وهي تضع على رأسها ما يُسمى بالشربوش (ما يشبه الطربوش) فتقف إلى جانب العريس الذي يبادر إلى كشف الجلوة (الغطاء) عن وجهها، ويعمد العريس والحضور إلى إلصاق الدراهم على وجهها وعلى خديها ثم تأخذ الماشطة العروس إلى الداخل فتبدل للعروس ثيابها، وتلبسها على رأسها ما يشبه العمامة، وتمسكها سيفاً مسلولاً بيدها، فإذا كانت إلى جانب العريس، فإنه يأخذ منها هذا السيف، ويضربها ببطن ذلك السيف ثلاث ضربات على رأسها علامة للخضوع له.. فإذا أراد العروسان التوجه إلى غرفتهما، فإن والدة العريس تمانعهما ما لم يقبلا يدها ويمرا من تحت قدميها، كرمز للخضوع لها.
وما إن يستقر العروسان بغرفتهما، حتى تعمد الزوجة إلى ممانعة الزوج منها، بما تلقنته من أمها وصويحباتها.
أما المعازيم من حاضرات العرس فلا تغادر أي منهن العرس ما لم يتأكد الجميع من عفاف العروس.
ومن جهة أخرى فقد نجد من كان يُعد لعرسه ما يشبه المسرح ويدعو إليه المغنين ويحضر هذا العرس الرجال والنساء معاً، وبالطبع فإن ذلك يرتبط بالحالة المالية والاجتماعية للعريس وأهل العروس.
أما المهور، فنجد من المهور ما لا يصدق في أيامنا هذه فقد كان مهر ابنة سيباي عشرين ألف دينار كما أشرنا وكان مهر القاضي رضي الدين الغزي مئة وخمسين ديناراً ذهباً، ولم تكن عروسه تتجاوز الثالثة عشرة من العمر.
أما ردّ الزوج زوجته المطلقة فقد يكلف مبلغاً قد يصل إلى عشرة دنانير ونشير إلى أن إحدى الزوجات دفعت إلى نائب السلطنة مبلغ مئة وعشرين ديناراً ليطلقها من زوجها.
وكانت المرأة تتمتع بوافر من الحرية، فقد ورد أن ابنة الآغا شمس شكت إلى السلطنة أن زوجها عنين، وقد مضى على زواجها منه أكثر من سنة ولا تزال بكراً فطلبت التفريق عن زوجها وغير ذلك كثير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن