الأولى

لماذا يأتي دونالد ترامب إلى المنطقة؟

| د. مهدي دخل الله 

لاشك في أن هناك مجموعة من الأهداف التي ترسم حضوراً قوياً «لأميركا الجديدة» في المنطقة، وما يهمنا هنا القضية المفتاح التي تحتل الأولوية المطلقة في إستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية تجاه هذه المنطقة.
المنظور الأساسي في هذه الإستراتيجية، هو إعادة تطويق روسيا وأوروبا بحزام جنوبي يمتد من اليابان وكوريا الجنوبية وحتى شواطئ المغرب الأطلسية، وتطويق روسيا يختلف بالطبع عن تطويق أوروبا، الأول هدفه إضعاف التطلعات الإستراتيجية لروسيا وسط علاقات مع الولايات المتحدة الأميركية قائمة على «الشراكة التنافسية»، أما تطويق أوروبا فلمنعها في المستقبل من التملص شيئاً فشيئاً من رعاية «الأخ الأكبر» أي الولايات المتحدة الأميركية.
والأهم من هذا وذاك، هو السيطرة على أكبر خزان للطاقة المستقبلية، وهو شمس الصحراء العربية الممتدة من الخليج إلى المحيط، من أجل ابتزاز روسيا وأوروبا في المستقبل، وستكون هذه الشمس أكثر أهمية من النفط والغاز الناضبين.
لابد من الإشارة إلى أن الجمهوريين الأميركيين لا يثقون بالأوروبيين، وخاصة الألمان والفرنسيين، بل إنهم لا يحبونهم وأهم من عبر عن هذه الكراهية بصراحة وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق هنري كيسنجر إضافة إلى قائد جيش الولايات المتحدة الأميركية في ثلاثينات القرن العشرين الجنرال دوغلاس ماك آرثر والرئيس الرابع والثلاثين للولايات المتحدة دوايت ديفيد آيزنهاور.
إذاً، هناك التطويق والشمس، طاقة المستقبل القريب، ومن ثم السيطرة على «عنق» التجارة الدولية، أي باب المندب وقناة السويس ومضيق جبل طارق، وهذه هي العناصر الثلاثة الأساسية في التوجه الإستراتيجي الأميركي لدى الجمهوريين، ولكن أين العقدة التي يفتح حلها آفاق هذه الإستراتيجية؟
إنها في القضية الفلسطينية وما كان يسمى الصراع العربي الإسرائيلي، فقد وصل الجمهوريون إلى قناعة أن إرضاء الفلسطينيين بالفتات سوف يزيح عن صدر الأنظمة العربية بقايا حرج قديم ويفتح الباب أمام حلف علني وصريح بين هذه الأنظمة من قطر وحتى أمير المؤمنين في المغرب، وهو حلف أميركي مركزه المحرك إسرائيل.
طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التطبيع قبل التفاوض مع السلطة الفلسطينية، فوافق الخليجيون وبدأ التطبيع العملي، والرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد من زيارته هذه التوصل إلى مستوى أعلى من التطبيع يكون من بين عناصره موافقة العرب على نقل السفارة الأميركية إلى القدس، فيما يعد تشجيعاً لبنيامين نتنياهو كي يوافق على دولة فلسطينية مرتبطة بإسرائيل باتفاقات أمنية ودفاعية، أي دولة تحت الوصاية الإسرائيلية المباشرة.
هذا هو الهدف الأساسي لدونالد ترامب: أن يدفع الخليجيين باتجاه مزيد من التطبيع ويقول لبنيامين نتنياهو: هاهم العرب قد لبوا طلبك ماذا تريد أكثر من ذلك فلتتفاوض مع السلطة فوراً لإخراج «الدولة» الفلسطينية أخيراً إلى الوجود وفتح الآفاق لسيطرة أميركية إسرائيلية علنية واضحة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن