الأخبار البارزةشؤون محلية

ظاهرة التسول استفحلت في طرطوس ولا معالجات جادة! … مكتب مكافحة التسول.. إمكانات معدومة.. وتسول بالمراسلات دون نتيجة!

| طرطوس – سناء أسعد

التسول هو إحدى الظواهر المنبوذة والخطرة التي تفتك بالمجتمعات كافة.. وكما تختلف دواعي التسول تختلف أشكاله وأساليبه فهناك فعلاً من دفعتهم الحاجة إلى الحصول على لقمة العيش للتسول وهناك من امتهن هذه العادة السيئة بالوراثة وأدمن عليها لدرجة يستحيل عليه أن يحرر نفسه من ممارستها بسهولة.
لكن الخطورة الأكبر تكمن في العجز الواضح في معالجة هذه الظاهرة والحد منها وبالعكس من ذلك تماما فهي في ازدياد مستمر وانتشار أكبر لدرجة الفلتان.. وقد كان للحرب على سورية دور كبير في تشعب هذه الظاهرة وفلتانها وتعقيد حلولها لدرجة تفوق الوصف.

متسولون ولكن!
للتعرف عن قرب عن دوافع التسول قمنا برصد حالات التسول المنتشرة في الشارع لحظة نزولنا إليه
فاخر. م رجل في الستين من عمره قال إنه أتى إلى محافظة طرطوس هرباً من بطش وإجرام المسلحين في مدينة حلب (الكلاسة) يسكن في بيت للآجار في البصيرة القديمة والسيد فاخر سألناه عن طريق الكتابة لأنه يعاني من فقدان السمع هو في الأساس كان يعاني من مشكلة في أذنيه يسمع بشكل خفيف لكن أصبح السمع لديه معدوما إضافة إلى عجز في ساقه نتيجة إصابته بقذائف المسلحين التي انهالت عليهم مثل المطر كما أنه يجهل مصير أولاده الأربعة من بعد ذلك اليوم المشؤوم حسب تعبيره.
وأكد فاخر أنه لم يحصل على أي معونة منذ قدومه إلى طرطوس على الرغم من حالته المأساوية ونقود التسول بالكاد تكفي لسد رمق الجوع.. وهذا العجوز الستيني كان يتكلم عن معاناته بقهر كبير وقال كنا نأكل ونشرب ببلاش كنا نعيش بكرامتنا وما أكثر خير هذا البلد الذي اغتاله ضعاف النفوس فشردونا حتى صرنا نازحين ضمن حدود البلد وجوعونا فتحولنا إلى متسولين في الشارع.!
الطفلة غزل. ح أتت مع أهلها من مدينة دمشق خوفا من الإرهابيين.. غزل طفلة تسع السنوات لا تعرف القراءة ولا الكتابة لأنها لم تجلس على مقاعد الدراسة أبدا وتقضي معظم وقتها في التسول.. في بعض الأحيان تحمل ورودا وفي أحيان أخرى تتسول فارغة اليدين على أمل أن يرق قلب المارة عليها.. عندما سألنا غزل عن سبب تسولها قالت إن أباها يعمل في مسح الأحذية وأمها مصابة بمرض السرطان وبالرغم من تسولها وعمل والدها إلا أنها دائماً تنام وهي جائعة.

وفاء حكاية أخرى!
وفاء المرأة المتسولة والمرأة المعوقة والمرأة المحتاجة والزوجة المظلومة التي يرفض زوجها أن يطلقها ويرفض أن يصرف عليها وعلى ابنتها التي تبلغ من العمر أربع سنوات أي هجرها (لا معلقة ولا مطلقة) حالتها مأساوية جداً فقر وعوز وعجز!
وفاء لا تملك أبسط متطلبات الحياة تعاني عجزاً في ساقيها (ثلاثة أرباع شلل) وعلى الرغم من أنها تملك بطاقة إعاقة لم تلق أي آذان صاغية من أي جهة لكي تتوظف أو تحصل على معونة.
وقالت: إنها زارت محافظ طرطوس وشرحت له عن حالها لكن خرجت مكسورة الخاطر ولم تلق أي تجاوب بما يخص متطلباتها البتة.
تقول وفاء إنها تشعر بالذل والإهانة عندما تمد يدها للتسول لكن حالتها المأساوية أجبرتها على الخضوع لهذا الواقع المرير..!
على الرغم أننا التقينا وفاء وهي تتسول في السوق لكنها أصرت أن تأخذنا إلى الغرفة التي تسكن فيها مع طفلتها وهي تتوقع أن تخرج منها في أي لحظة لعدم قدرتها على دفع أجرتها..!
النقطة المشتركة للحالات التي التقيناها هي دموعهم التي كانوا يختمون بها حديثهم معنا..

أين الجهات الرسمية؟
وهنا لابد من السؤال هل يكفي مجرد التوجيه وإصدار القرارات وإرسال الكتب ورسم الخطط دون وضعها قيد التنفيذ للحد من هذه الظاهرة؟! ومن الجهة المسؤولة عن التقصير الحاصل؟
للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها قمنا بزيارة مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل للاطلاع على دورها ومدى الإمكانات المتوافرة لديها للحد من هذه الظاهرة وعلاجها.
رئيس مكتب مكافحة التسول السيد نواف محمد قال لنا إن الوزارة وجهت لنا منذ أربعة أشهر تعميماً بخصوص إعادة تفعيل مكتب مكافحة التسول والتشرد بطرطوس بالتعاون مع الجمعيات الأهلية للحد من هذه الظاهرة ومكافحتها ومعالجتها وحماية الأطفال.. وقبل هذا التعميم كان السيد المحافظ قد أصدر قراراً بتاريخ 20/7/2016 بإعادة تشكيل مكتب مكافحة التسول بموظفين من مديرية الشؤون وعضوين من مجلس إدارة جمعيتين (البر- الجعفرية) وبعد القرار عملنا من أجل تأمين سيارة من إحدى الجهات العامة من خلال السيد المحافظ للقيام بدوريات ضمن مدينة طرطوس فقط مع أقسام الشرطة كتدعيم لدورهم الطبيعي في مكافحة تلك الظاهرة مع الإشارة إلى عدم وجود مركز لتوقيف للمتسولين المشردين أو دار رعاية في طرطوس.
وأضاف محمد قائلاً: وجهت عدة كتب إلى مديرة الشؤون الاجتماعية والعمل السابقة ولادة جلب من أجل تأمين المتطلبات والتنسيق مع الجمعيات الأهلية المعنية لتفعيل عمل المكتب وفقاً لتوجيهات السيد المحافظ ووزارة الشؤون الاجتماعية، لكن للأسف لم يتم العمل بتلك الكتب حتى الآن والتي من شأنها تفعيل عمل المكتب والحد من تلك الظاهرة وآثارها السلبية على المجتمع كونها تزداد وتأخذ أشكالاً وأساليب متعددة في طرطوس والتي تتطلب معالجتها تضافر جهود جهات عديدة مع الشؤون الاجتماعية كونها المعنية الأساسية في معالجة ومتابعة تلك الظاهرة..
وعندما قلنا له: هل بإمكاننا وبناء على ما تفضلت به أن اعتبار مكتب مكافحة التسول في المديرية دوراً ميتاً ومعدوماً كليا وأن الجانب الوحيد الفعال للحد من هذه الظاهرة في طرطوس هو فقط إصدار القرارات وتوجيه الكتب دون أن يكون هناك أي خطوة حقيقية وفعلية على أرض الواقع!
أجاب السيد نواف محمد بأنه لابد من العمل على توفير الإمكانات بشكل جدي أما متطلبات إحياء دور هذا المكتب والقيام بمهامه بشكل فعال فأهمها (تخصيص مركز توقيف وتجهيزه.. – تأمين سيارة ووضعها تحت تصرف المكتب ليلاً ونهاراً -كادر من العاملين في المكتب ووضع خطط لتحديد المسؤوليات والمتطلبات والأشخاص من الجمعيات الأهلية المعنية بالتشارك مع المكتب واتخاذ القرارات من الجهات المعنية بإلزام الجمعيات بتنفيذ مقترحات المكتب والعمل بها ومتابعتها بشكل جدي بعد إجراء الدراسات الاجتماعية اللازمة من قبل المكتب..)

التسول أسوأ أشكال عمالة الأطفال؟
في حوار صحفي أجرته الدكتورة ريما القادري وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل مؤخراً مع إحدى الصحف المحلية تقول إن التسول هو أسوأ أشكال عمالة الأطفال وتجنيد الأطفال في عملية التسول ظاهرة غريبة على المجتمع وسابقاً لم يتم التعاطي معها لكنها حالياً موجودة لاسيما في المناطق التي ليست تحت السيطرة الكافية للدولة وتقول إن هناك حملات مكافحة التسول وإنه تم توجيه الجمعيات لتقديم خدمات ذات كفاية للأطفال المحتاجين لها لاسيما الأيتام ومجهولي النسب وذوي الإعاقة.. الخ
وهنا نسأل السيدة الوزيرة: ماذا عن محافظة طرطوس وهي المحافظة الآمنة وتحت سيطرة الدولة بشكل كامل؟
فهذه المحافظة لم تشهد أي حملات لمكافحة التسول ولا يوجد توجيه للجمعيات لتقديم الخدمات لمن يحتاجها وفق ما أكده من التقينا بهم في الشارع.. ولا يوجد فيها مراكز رعاية أو دار للعجزة ولا مراكز لاستقبال المرأة المعنفة وحمايتها، ولا مركز لملاحظة الأحداث.. الخ.
أما مكتب مكافحة التسول فلا علاقة له البتة بالمهام التي أنشئ لأجلها لانعدام متطلبات عمله.. فهل محافظة طرطوس خارج حدود الجغرافية السورية وخارج خطط العمل الموضوعة من الوزارة؟

ختاماً
لابد من التعامل مع هذه الظاهرة بشكل جدي للحد منها وعلاجها.. فمجرد وضع الخطط وطرح الحلول وإصدار القرارات وتوجيه الكتب غير كافية للخلاص من أي مشكلة فكيف إذا كنا نتكلم عن ظاهرة متشعبة ومعقدة مثل ظاهرة التسول وتداعياتها وآثارها السلبية على المجتمع بأكمله..؟
وأخيراً نقول: إذا كان بإمكان حكومتنا تطبيق برامج التلقيح الوطني وحماية أطفالنا من الإصابة بالأمراض السارية والأوبئة فلماذا لا تبذل ما بوسعها من جهد ومتابعة لحمايتهم من الإصابة بأمراض أخرى مثل الجهل وعدم الوعي والترعرع في بيئة فاسدة ينتج عنها فقر اجتماعي وفقر عقلي ونفسي نتيجته الطبيعية توجّه إدراك هؤلاء الأطفال تلقائياً نحو كيفية نجاح تسولهم والحصول على قوتهم اليومي كأقصى طموح لهم..!!
أنقذوا أطفالنا، ولا تدعوهم قنابل موقوتة تنفجر لأذية هذا البلد!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن