عربي ودولي

روحاني لولاية جديدة: مواجهة ترامب في العراق وسورية

| الوطن

أتى فوز محمد حسن روحاني بمنصب الرئاسة في إيران مجدداً في لحظة حرجة إقليمياً. فقد أنعشت واشنطن تحالفها مع الدول «المعتدلة» في المنطقة، وكثفت من تحركاتها العسكرية من أجل عرقلة المساعي الإيرانية لمساعدة الحكومتين السورية والعراقية في مواجهة الإرهاب ومد سيادتيهما على أراضي دولتيهما.
ومثلت الانتخابات الرئاسية في إيران أبلغ رد على ازدواجية المعايير الأميركية، إذ في حين قدم الشعب الإيراني للعالم «أنموذجاً يحتذى به» كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يشرب القهوة العربية بحضرة مسؤولين سعوديين لا يؤمنون حتى بأهلية الشعب للانتخاب، ويرفضون أي مظهر من مظاهر الديمقراطية.
وترك فوز روحاني في انتخابات الرئاسة الإيرانية ارتياحاً لدى الدوائر السورية. وكان الرئيس بشار الأسد في مقدمة مهنئي الرجل «على الثقة التي منحه إياها الشعب (الإيراني) للمضيّ في تعزيز مكانة إيران، ودورها في الإقليم والعالم». وفي تأكيد على متانة التحالف السوري الإيراني، شدد الرئيس الأسد في برقيته لنظيره الإيراني على متابعة العمل والتعاون مع إيران، لتعزيز «أمن واستقرار البلدين والمنطقة والعالم».
بعد وصوله للرئاسة في إيران عام 2013، أطلق روحاني حملة دبلوماسية انتهت بتوقيع الاتفاق النووي الإيراني وفك عزلة إيران الدولية. وسبق هذا الإنجاز، مساهمة روحاني في التوصل إلى تسوية لأزمة الكيميائي السوري في شهر آب من العام 2013. كما نجح الرئيس الإيراني، تحت إشراف المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، في فرض بلاده شريكاً لا غنى عنه في الحرب على الإرهاب عبر دعم الحكومتين السورية والعراقية بمستشارين وخبراء عسكريين. وتمكنت دمشق بالتعاون مع إيران وروسيا من ايقاف تمدد التنظيمات الإرهابية لا بل حصرها في مناطق ضيقة.
واستشعر روحاني خطورة فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية أواخر العام 2016، لذلك سعى إلى تهدئة الخلافات مع دول الخليج، إلا أنه لم يوفق بسبب التعنت السعودي، وتحققت مخاوف روحاني هذا الأسبوع مع زيارة ترامب إلى الرياض.
وخلال حملة الرئاسة الأميركية، وصف ترامب الاتفاق النووي الإيراني بأنه أسوأ اتفاق على الإطلاق، منتقداً سلفه باراك أوباما على توقيعه لهذا الاتفاق. وأحاط ترامب نفسه بشخصيات تتبنى نهجاً معادياً لإيران على رأسهم هربرت ريموند ماكماستر مستشاره للأمن القومي، وجيمس ماتيس وزيره للدفاع، وجون كيلي وزيره للأمن الداخلي، وجورج بومبيدو مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. إيه).
وتحت إشراف ترامب، صاغت هذه الشخصيات خطة للشرق الأوسط، تقوم على دعم الدول الحليفة تقليدياً لواشنطن في مواجهة كل من داعش وإيران وحلفائها الإقليميين. هذه الخطة تبتغي تنظيم الشرق الأوسط ما بعد داعش، بعيداً عن إيران. باختصار يريد الأميركيون شرق أوسط موالياً لهم.
واستقبلت الإدارة الأميركية فوز روحاني برئاسة إيران مجدداً، بتحفظ، إذ طالبته بإطلاق «عملية تفكيك شبكة الإرهاب الإيرانية» وإنهاء تمويلها، وإيقاف أي دعم تقدمه «لقوى زعزعة الاستقرار» في الشرق الأوسط، في إشارة إلى حزب اللـه اللبناني وجماعة أنصار اللـه (الحوثيين) في اليمن. وتعهد المسؤولون الأميركيون بمراجعة الاتفاق النووي الإيراني «بحذر»، وبدعم حلفائهم الإقليميين لمقاومة «التدخلات الإيرانية».
ولا تنكر إيران امتلاكها لشبكة تحالفات في المنطقة، تسعى من خلالها إلى استعادة السلام والأمن للشرق الأوسط. والوصفة التي تقدمها طهران هو خروج القوات الأميركية من المنطقة.
وأكد روحاني، أنه سيواصل خلال سنوات ولايته الثانية، سياسته الانفتاحية على العالم، لكن إستراتيجية المواجهة التي تتبناها إدارة ترامب مع إيران قد تؤثر على تلك السياسة. مع ذلك ستتمثل أولوية روحاني في الحفاظ على الاتفاق النووي. وتدعم كل من روسيا والصين وألمانيا (الاتحاد الأوروبي) استمرار هذا الاتفاق بخلاف الموقف المتحفظ الذي تتبناه إدارة ترامب.
أما على الصعيد الإقليمي، فقد دشنت زيارة روحاني قبل شهرين إلى العاصمة الروسية موسكو مرحلة جديدة من التعاون بين إيران وروسيا حول قضايا المنطقة. وأثمرت الزيارة عن بلورة مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإقامة «مناطق تخفيف التصعيد» في سورية.
وسيكون على روحاني مواجهة السياسة العدائية لترامب التي تستهدف الدور الإيراني في المنطقة عبر العراق وسورية. ولا تخفي واشنطن أنها بصدد تشكيل عازل إقليمي في المناطق الشرقية من سورية، والغربية من العراق، يبقي إيران محاصرة وراء حدودها ويضعف تأثيرها الإقليمي. والعدوان الأميركي ضد قوات الجيش السوري وحلفائها في شرق سورية مؤخرا، يمثل أوضح إشارة على تصاعد نذر المواجهة بين واشنطن وحلفائها، من جهة، وطهران ودمشق وحلفائهما، من جهة أخرى.
وبالفعل برر القادة الأميركيون العدوان بزعم أنه استهدف قوى عسكرية «وراءها إيران على الأرجح».
هذا التوتر في شرق سورية يضاف إلى التوتر الذي شهدته الحدود السورية الأردنية، مؤخراً على خلفية الحشود العسكرية الأميركية والبريطانية والأردنية، فضلاً عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على مناطق في غرب وجنوب سورية.
هكذا يجد الرئيس الإيراني أن سياسة الإنجاز التي تبناها في علاقة بلاده مع الغرب خلال ولايته الأولى وصلت إلى منتهاها، وأنه مضطر إلى تبني سياسة تجمع بين المواجهة والدبلوماسية، مع ذلك فإن القول الفصل عندما يتعلق بالسياسات العليا لإيران فسيظل للرهبر (الزعيم) علي خامنئي.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن