من دفتر الوطن

السينما والأدب!

| عصام داري 

يتحول الكثير من الراويات العربية والعالمية إلى أفلام، وحتى إلى مسلسلات، فإلى أي حد تكون الأعمال الفنية قادرة على الاقتراب من الوصف الذي خطته ريشة الكاتب، والانفعالات والحركات وغير ذلك؟، وإلى أي حد يستطيع فيلم أو مسلسل أن يقترب من خيال القراء؟
من تجربتي الخاصة أستطيع القول إن بعض الأعمال الفنية، وهي قليلة، استطاعت أن تكون قريبة مما تخيلتها عندما قرأت الرواية، لكن هناك شبه تطابق في حالات نادرة أدهشتني فعلاً.
في ثمانينيات القرن العشرين الماضي، شهدت إحدى صالات العرض في دمشق «مهرجان الفيلم السوفييتي» حيث عرضت سبعة أفلام في سبعة أيام، وقد شاهدت فيلمين كانا في غاية الروعة والإتقان.
الفيلم الأول عن الزعيم السوفييتي ستالين، والثاني فيلم «الجريمة والعقاب» المأخوذ عن رواية دويستوفسكي التي تحمل الاسم نفسه.
وإذا كانت روعة الأول تتمثل في أن المشاهدين كانوا يتابعون على الشاشة البيضاء ستالين نفسه بملامحه وحركاته وكأن الزعيم السوفييتي شخصياً يقوم ببطولة الفيلم، فإن روعة الفيلم الثاني تجسدت في أن الشخصيات الرئيسية كانت تحاكي بدقة تلك الموجودة في الرواية، وفي المقدمة بطل الرواية راسكيلينكوف، بكل حالاته النفسية المركبة والمعقدة.
بل إنني شخصياً ذهلت وأنا أتابع الفيلم إذ تقاربت إلى حد التطابق الأماكن الموجودة التي اختارها المخرج لتصوير فيلمه، مع الأماكن التي تخيلتها من خلال ما هو موجود في رواية الأديب، مع أني لم أزر أياً منها.
فمن قرأ روايات دويستوفسكي جميعها يجد أن كل رواية تحمل بين دفتيها سيناريو متكاملاً، ولا يحتاج المخرج إلى كبير عناء لترجمة هذه الرواية أو تلك بلغة سينمائية، لدقة الوصف التي كان يتمتع بها هذا الأديب الكبير.
أما في سورية، فقد كان الأمر مختلفاً بعض الشيء، فروايات الأديب الكبير حنا مينة التي تحولت إلى أفلام ومسلسلات بلغ بعضها مرتبة متقدمة من الإتقان والإقناع، وأذكر هنا مسلسل «المصابيح الزرق» الذي يحكي عن مرحلة دقيقة من التاريخ السوري، وإن أطال هذا المسلسل الأحداث، ربما كي يصل المسلسل إلى الحلقة الثلاثين، ومع ذلك كان عالم الرواية أكثر جذباً من المسلسل.
وفي مصر تحول الكثير من الروايات المصرية وحتى العالمية إلى أفلام ومسلسلات، وكان للأديب نجيب محفوظ النصيب الأكبر من الأفلام، من «زقاق المدق» إلى الثلاثية: «بين القصرين» و«قصر الشوق» و«السكرية» التي كانت أكثر رواياته التي رأت الشهرة في السينما والتلفزيون.
وقد تابعت معظم تلك الأعمال، وكنت قد قرأتها على الورق، مرة كانت البطولة للفنان يحيى شاهين، وأخرى للفنان محمود مرسي، لكنها لم ترتق إلى عظمة وأجواء الرواية، لكن من شاهدها ولم يقرأ الرواية فسيعجب بلا شك بما أنجزه فريق عمل المسلسل.
هناك العديد من الأمثلة لكن الموضوع يحتاج إلى مساحة أوسع، وحسبي هنا أنني أدليت بشهادة عن موضوع غاية في الأهمية، فليس كل من حول رواية إلى عمل فني، نجح في عمله، وليس كل رواية تستحق أن تصبح فيلماً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن