ثقافة وفن

الأيدي الخفيّة

| د. اسكندر لوقا

دائما عند قراءة تاريخ سورية ما بعد خروج العثمانيين من أراضينا، لا بد أن يستوقفنا حدث ما بعينه ومن ذلك كيف كان التآمر على سورية يتم في سياق التفاهم بين بريطانيا وفرنسا في تسعينيات القرن الماضي تحديدا.
في العام 1919، على سبيل المثال، كتب اللورد دربي، سفير بريطانيا في باريس، إلى الخارجية البريطانية قائلا إنه يرى أن تنصح الحكومة البريطانية زعماء سورية بقبول التعاون العسكري مع فرنسا، مقابل جعل اللغة العربية لغة رسمية في الإدارات الحكومية وفي المدارس.
ويدعي اللورد دربي في سياق نصيحته أن هناك اتجاها لقبول التعاون على هذا الأساس فضلا عن جعل دمشق عاصمة لسورية والاعتراف بأن يكون لبنان بلداً مستقلاً.
في سياق هذه القراءة وما يشبهها، لا بد أن يخرج القارئ بانطباع عن مسار الأحداث التي جرت في المنطقة عموماً وفي سورية خصوصا، وذلك عبر تفاهم تام بين الحكومتين البريطانية والفرنسية، حول مستقبل البلدان التي خرجت من حقبة الاستعمار العثماني إلى حقبة الاستعمار البريطاني والفرنسي على حد سواء، ولكن بفارق التآمر بين المبطن والعلني.
إن جعل اللغة العربية لغة معترف بها، لم يكن الهاجس الوحيد الذي كان يؤرق أبناء سورية، بل الاستقلال الكامل وتحرير الإرادة وإقصاء القرار الوطني عن الأيدي الخفية التي تتلاعب بمصير مستقبل البلاد، بيد أن المستعمر غالبا ما يقدم السم في الدسم، وذلك على غرار القول بجعل دمشق عاصمة لسورية وجعل اللغة العربية لغة رسمية وما إلى ذلك من وسائل الترغيب وصولا إلى تحقيق غايات أبعد ما تكون من اعتماد هذه المدينة أو تلك عاصمة لبلد، وأبعد ما تكون من اعتماد لغة أهل البلد التي كانت مغيبة في العهد العثماني عن الدوائر الحكومية بشكل أو بآخر.
نصيحة اللورد دربي، لم تأخذ طريقها إلى الضوء لأن أبناء سورية لم يهن صمودهم يوماً في كل الأزمنة السابقة للعام 1919 وبعدها، وبقي كذلك حتى سقوط الاستعمار واندحاره إلى غير رجعة.
ومع خروج بلادنا من أزمنة القهر بأنواعه المختلفة كانت تتكشف يوماً بعد يوم فصول المؤامرات المتلاحقة، والأيدي الخفية التي كانت تقف وراءها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن