سورية

«الناتو» إلى الهلال الخصيب

| أنس وهيب الكردي 

بعد أن أرسى دعائم تحالف إقليمي في مواجهة إيران، يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى نيل موافقة قادة دول حلف شمال الأطلسي «الناتو» على انضمام الحلف، إلى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي الذي تقوده واشنطن، في أحدث تحول في المشهد الدولي في الشرق الأوسط قد يرقى لأن يكون إستراتيجياً.
سيترتب على هذا الأمر، هبوط القوة الأطلسية إلى الهلال الخصيب، بكل ما يحمله ذلك من تداعيات على الأمن الإقليمي، ليس أقلها تزايد احتمالات الصدام في سورية والعراق بين الغرب، من جهة، وروسيا وإيران، من جهة أخرى.
هذه الخطة التي يريد ترامب تمريرها خلال قمة زعماء الدول الأعضاء بالحلف، المنعقدة في العاصمة البلجيكية بروكسل، غداً الخميس، تنسجم مع إستراتيجية واشنطن في المنطقة، المتركزة حول العراق.
فلضمان استمرار الهيمنة الأميركية على بغداد، يعتزم مسؤولو إدارة ترامب تطوير الوجود العسكري الأميركي والغربي في العراق وحوله. وترفض واشنطن التخلي عن العراق بعد أن عادت القوات الأميركية إلى هذا البلد من بوابة محاربة تنظيم داعش. وأكد المسؤولون الأميركيون أن قوات بلادهم لن تنسحب من المنطقة بعد القضاء على داعش. وأسست واشنطن بنية تحتية لوجود عسكري طويل الأمد في إقليم كردستان العراق، الموصل، ديالى والأنبار، وأيضاً في رميلان، التنف، عين العرب وسد تشرين في شمال وشرق سورية.
ولطالما انتقد كبار مستشاري ترامب قرار سلفه باراك أوباما سحب القوات الأميركية بشكل كامل من العراق عام «2011». وهم اعتبروا أن هذا القرار أدى إلى تقديم هذه الدولة المفتاحية في جغرافية المنطقة، التي بذلت الولايات المتحدة من أجل السيطرة عليها الغالي والنفيس من الأموال والدماء، على طبق من ذهب للإيرانيين.
هكذا، سيتوسع مسرح عمليات «الناتو» ليشمل إلى جانب القارة الأوروبية وأفغانستان، الهلال الخصيب، ولاحقاً ربما دول الخليج العربي.
وتعترض الدول الأوروبية على هذا التوسيع في دور الحلف. يعود ذلك إلى قلقها من تشتت قوى الحلف بين المسرح الأوروبي والمسرح الشرق أوسطي. وهي تريد من «الناتو» أن يركز على المسرح الأوروبي في ظل ما تعتبره مخاطر على أمنها من «عدوانية روسيا».
ولا تريد الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، التورط في ساحة تمثل بكل ما للكلمة من معنى برميل بارود وحقل ألغام، مثل سورية والعراق. وهي تخشى أن تصبح طرفاً في حلقة من التصعيد مع كل من روسيا وإيران، بسبب نزول «الناتو» إلى الهلال الخصيب.
ولعل أكثر ما يجعل الدول الأوروبية تحجم عن دعم هذه الخطوة هو رفضها أن تدفع تكاليف لتأمين مصالح أميركا في المنطقة، مع علمهم أن واشنطن لن تشاركهم في المكاسب، ولن تستشيرهم إذا ما اندلعت الأزمات.
وأكثر من ذلك أن الدول الأوروبية قد لا تتوافق مع إستراتيجية ترامب لمواجهة إيران في المنطقة. ولا تخفي برلين بشكل خاص، موقفها الساعي إلى تطوير علاقات إستراتيجية وسياسية واقتصادية بين دول الاتحاد الأوروبي وإيران. وانزلاق «الناتو» إلى الهلال الخصيب وفقاً لمشروع ترامب الساعي إلى قطع الطريق بين إيران والعراق وسورية، وخلق عازل يفصل إيران عن شرق البحر الأبيض المتوسط، من شأنه أن يكون خطوة عدائية للغاية ضد طهران. وستؤثر على احتمالات التعاون بين إيران والاتحاد الأوروبي «ألمانيا».
جانب آخر من رفض ألمانيا لهذا الأمر هو تنافسها مع تركيا. فخطة ترامب ستؤدي إلى تعزز الدور التركي ضمن الناتو خصوصاً أن المناطق التي سيمتد إليها عمل الناتو مجاورة لتركيا. وستضيف هذه الخطوة ورقة جديدة إلى ترسانة أنقرة من الأوراق لمساومة واشنطن على مصالحها في العراق وسورية والتي تتعارض بشكل جوهري مع مصالح ألمانيا.
وألمانيا هي اللاعب الخفي من وراء الكواليس في دعم حزب العمال الكردستاني «بي كا كا» وميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية في سورية. وعلى حين تؤكد واشنطن أن دعمها للأخيرة مسألة تكتيكية ضمن الحرب على تنظيم داعش، ترى برلين في الوحدات حليفاً طبيعياً لها في المنطقة، وإستراتيجيتها في الشرق الأوسط تستند إلى التحالف مع الفصائل الكردية.
هكذا تدفع إدارة ترامب بمعطى جديد إلى الفوضى الإقليمية القائمة في الهلال الخصيب، معطى من شأنه أن يزيد من حدة الصراع الدولي والإقليمي.
لم يرغب الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته إلى السعودية، أن يميز بين الإرهاب وداعميه، ففيما كان ينادي بمكافحة تنظيم داعش الإرهابي، أظهر معاداة لافتة لإيران، وسط تماه سعودي خليجي مع موقفه، ما أثار شكوك حول الأهداف الحقيقية لإنشاء «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف» الذي تم افتتاحه أمس.
واتجهت الأنظار إلى القمة الأميركية والعربية الإسلامية التي ألقى فيها ترامب خطاباً بدا أنه محاضرة لقادة 55 بلداً إسلامياً وعربياً، فزعم ترامب أنه «من لبنان إلى العراق واليمن، فإن إيران تمول التسليح وتدرب الإرهابيين والميليشيات وجماعات متطرفة أخرى تنشر الدمار والفوضى في أنحاء المنطقة»، معتبراً أن «داعش والقاعدة وحزب اللـه وحماس تمثل تهديداً إرهابياً للمنطقة».
في خطابه، نوه ترامب إلى أن على الدول العربية والمسلمة «مواجهة أزمة التطرف الإسلامي والجماعات الإرهابية الإسلامية»، مضيفاً: «لا يمكن لدول الشرق الأوسط أن تنتظر القوة الأميركية لتقوم بسحق العدو نيابة عنها، وعلى دول الشرق الأوسط أن تقرر طبيعة المستقبل الذي تريده»، إلا أنه وجه رسالة مبطنة ضد السعودية قائلاً: «علينا الانفتاح واحترام بعضنا البعض من جديد، وجعل هذه المنطقة مكانا يمكن لكل رجل وامرأة، مهما كان دينهما أو عرقهما، أن يتمتعا فيه بحياة ملؤها الكرامة والأمل».

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن