سورية

ضبابية السياسة الخارجية الأميركية ومخاطر الغوص في المستنقع السوري

| ترجمة إبراهيم خلف

انتقد باحثون أميركيون إدارة الرئيس دونالد ترامب لعدم انتهاجها إستراتيجية واضحة ومتكاملة بخصوص سورية، الأمر الذي قد يهدد بجر الولايات المتحدة نحو مواجهة المزيد من التعقيد، مؤكدين ضرورة قيام واشنطن ببناء تحالف إستراتيجي تتمكن من خلاله من إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش والحد من النفوذ الإيراني المتصاعد ومن ثم تحقيق الاستقرار في المنطقة.
وفي مقال نشره معهد كاتو الأميركي، أكدت الباحثة إيما أشفورد أن السياسة الخارجية الأميركية حبلى بالتناقضات، فتارة تعبر واشنطن عن رغبتها في التعاون مع روسيا في سورية، وأن أولويتها تكمن في محاربة تنظيم داعش الإرهابي، وفي الوقت نفسه تقوم قواتها باستهداف رتل عسكري سوري في التنف على الحدود السورية مع الأردن والعراق، مؤكدة أن قيام ترامب بتفويض عملية اتخاذ القرارات العسكرية الرئيسية إلى مستوى أدنى من القيادة يحمل الكثير من المخاطر، فعلى الرغم من أن الضربات قد تكون ضرورية لحماية القوات الخاصة الأميركية والبريطانية المتمركزة بالقرب من التنف، إلا أنه قد يرافقها خطر حدوث هجمات انتقامية على القوات الأميركية في سورية والعراق، إلى جانب احتمال حدوث تصعيد مع القوات السورية وحلفائها.
وتساءلت الباحثة عما إذا كان اتخاذ قرارات من هذا النوع على المستوى التكتيكي يدعو للقلق بشكل كبير، فمع استمرار تنظيم داعش بالتراجع، سوف يؤدي التقدم العسكري بجعل كلا الطرفين أقرب إلى بعضهما البعض، الأمر الذي يزيد من احتمال حدوث مواجهات قد تجعل الولايات المتحدة تدخل بصورة أكبر في المستنقع السوري.
واعتبرت الباحثة، أن عدم وجود رؤية واضحة في واشنطن حول الحكومة السورية والقوات الحليفة لها يعتبر أحد الأسئلة الهامة التي فشلت إدارة ترامب في مناقشتها، ناهيك عن عدم التوصل لاتفاق مع الجانب التركي فيما يتعلق بالصراع التركي الكردي في شمال سورية، فالقرار الأميركي الذي تم اتخاذه مؤخراً بتسليح الأكراد كونهم القوة الأكثر فعالية في محاربة تنظيم داعش، كان قراراً صائباً، ولكنه يساهم في توتير العلاقات مع تركيا.
وأكدت أنه في الوقت الذي يرحب فيه ترامب بالخطط الروسية لحل وإنهاء الأزمة في سورية، تراه يتخذ موقفاً عدائياً من إيران، إحدى الدول الموقعة على خطة تخفيف التصعيد، وأحد اللاعبين الرئيسيين على الأرض في سورية، فاستهداف القوات الموالية لإيران في التنف يعرّض للخطر القوات الأميركية الموجودة في سورية والعراق.
كما أكدت الباحثة أنه يجب على البيت الأبيض أن يدرك أن القرارات التكتيكية التي تصدر من قادة عسكريين أميركيين على الأرض تهدد في جر الولايات المتحدة إلى مواجهة المزيد من التعقيد في هذه الحرب، ولتجنب ذلك يجب وضع إستراتيجية متكاملة بخصوص سورية.
من جانبه أكد الصحفي والباحث جوش روجين في صحيفة واشنطن بوست أن إدارة ترامب مترددة في الانخراط عميقاً في الحرب في سورية، إلا أنها ومن خلال الضربة التي تم توجيهها إلى القوات الموالية للحكومة السورية في التنف تسعى إلى توجيه ضربة للنفوذ الإقليمي الإيراني، متذرعة أن تلك القوات شكّلت تهديداً لقوات المعارضة والقوات الأميركية التي تقوم بتدريبها، ووفقاً لمسؤولين وخبراء وقادة في التمرد على الأرض، تحاول إيران إقامة سيطرة إستراتيجية دائمة على مناطق لخلق ممر من لبنان وسورية عبر بغداد إلى طهران، وإذا تمكنت من ذلك، فهذا من شأنه إلحاق الضرر بالرؤية الأميركية حول قتال ضد تنظيم داعش في مدينة دير الزور، ويساهم وبشكل مباشر في تقويض الجهود الأميركية الرامية لتدريب وتجهيز قوة قتالية عربية تؤسس لاستقرار على المدى الطويل.
وأشار الكاتب إلى أن هذا الأمر يشكل فرصة لواشنطن للعمل على تراجع النفوذ الإيراني ومنعه من التوسع.
وبحسب الباحث تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط فإن الضربات الأميركية قد أدت إلى تغيير في حسابات طهران، فقد ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية، فارس، أنه بعد الغارات ستقوم إيران بإرسال 3 آلاف مقاتل من حزب اللـه إلى منطقة التنف لإحباط «الخطة الأميركية»، وللعمل على فرض سيطرة على مثلث أمني من شأنه أن يمنح القوات الموالية لها حرية الحركة بين بلدتي تدمر ودير الزور، فضلاً عن منع المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة في التنف من التوجه نحو دير الزور، ولهذا يرى مراقبون أن ترامب قد يتحرك نحو انتهاج سياسة في سورية تكون أكثر صرامة مع إيران.
وبحسب معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لقوة الطوارئ السورية، فإن «الولايات المتحدة لديها اثنان من الخصوم الرئيسيين في سورية: إيران وداعش، وكلاهما يمثل مخاطر كبيرة على الأمن القومي الأميركي ومصالحها في المنطقة».
بدوره أكد الخبير السياسي والإستراتيجي مايكل دوران في مقال نشره معهد هدسون الأميركي أن ترامب وعد خلال حملته الانتخابية، بـ«قصف الجحيم» المتمثل بتنظيم داعش الإرهابي، التعهد الذي كان له صدى كبير، ولكنه وفقاً لخبراء في السياسة الخارجية سيكون له أضرار جانبية قد تلحق الضرر بكل شيء تحاول أميركا القيام به في المنطقة.
ونوّه دوران إلى إمكانية توصل ترامب خلال جولته التي قام بها في كل من السعودية وإسرائيل إلى إيجاد فرصة لوضع رؤية جديدة طويلة الأجل، مؤكداً ضبابية التفاصيل الكاملة لنهجه تجاه الشرق الأوسط، ومتسائلاً أن «القوة الناعمة» الأميركية لن تكون المفتاح لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وانتقد دوران السياسة الخارجية الأميركية المتمثلة بدعم الحلفاء ومن ثم التخلي عنهم بذريعة زعزعتهم للاستقرار، مؤكداً عدم صوابية التخلي عن الأصدقاء عند الاقتراب من الأعداء، فنحن لدينا القدرة على جعل العالم مكاناً أكثر أمناً، ومشيراً إلى أنه من المغالطة أن نتصور أنه بإمكاننا خلق شرق أوسط من دون وجود أعداء لنا.
وأشار دوران إلى أنه من الخطأ الاعتقاد أنه بإمكاننا جعل روسيا تتخلى عن إيران في سورية، فالتوترات بينهما تكاد لا تذكر مقارنة مع اهتمامهما المشترك في دعم «النظام السوري» والعمل على تآكل النفوذ الأميركي.
وأشار الخبير الإستراتيجي أن الاعتراف بالأخطاء السابقة يمثل الخطوة الأولى فقط، على حين تتطلب الخطوة الثانية رفض الإغراء المتمثل بالهدف الإستراتيجي البارز عبر هزيمة داعش.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن