ثقافة وفن

تكريزة رمضان ومولد الهلال

| منير كيال

اجتمعت لشهر رمضان من الخصائص والمزايا ما لم تجتمع لغيره من أشهر السنة ولم نعرف شهراً بين أشهر السنة وصفوه بالمبارك والكريم غير شهر رمضان، حتى ذهب بعضهم إلى أن رمضان من أسماء الله الحسنى، لما لهذا الشهر بين شهور السنة من طابع أسمى وأجلّ وأسنى.
وجاء في القاموس المحيط للفيروزأبادي: رمض يومنا اشتد حرّه، وقدمه احترقت من الرمضاء للأرض الشديدة الحرارة، وقد أطلق على الشهر اسم رمضان، لأنهم لما نقلوا أسماء الشهور رسموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق شهر رمضان زمن الحرّ والرمضن، أو سمي الشهر بهذا الاسم من: رمض الصائم اشتد حرّ جوفه، أو لأن رمضان يرمض الذنوب أي يحرقها ويطهّر النفوس.
وسنحاول بهذا البحث إلقاء بعض الأضواء على السيران الذي يسبق بداية هذا الشهر المعروف باسم التكريزة، ومن ثم الوقوف عند مولد شهر رمضان.
فمن عادات الدماشقة القيام بما يُسمى: تكريزة رمضان، وهي عادة قديمة جرى عليها الكثير من الدمشقيين أيام زمان، ذلك أنه قبل حلول شهر رمضان بيوم أو أيام، يقومون بسيارين عائلية، أو على شكل جماعات من الأهل والجوار إلى أفياء الغوطة الشرقية أو مناطق الربوة والمقسم والنشار والشادروان والفياض… مما يروي ولع الدماشقة بالخضرة والظلال، وأفانين الجمال، وهكذا كنت ترى كل جماعة قد افترشت لها مكاناً مطلاً على مناظر الخضرة والماء، وإمعاناً بالحرمة كانت كل جماعة تحجب نفسها عن أعين الغرباء والحشريين بحواجز قماشية شدّت بين شجرتين أو أكثر بحيث لا تحجب عنهم التمتع بالنسيم العليل والماء المنساب بين الأشجار.
وعلى حين تنهمك النسوة بإعداد الطعام من أنواع مقالي البطاطا والباذنجان والزهرة «القرنبيط» أو الشواء مع السلطة المرافقة لذلك الطعام وقد ينفرد البعض لمساعدة النسوة بإعداد الطعام، على حين البعض الآخر، يقضون الوقت بتدخين الأركيلة ولعب لعبة من ألعاب ورق الشدّة، والنرد أو لعبة من ألعاب طاولة الزهر، ومن الشباب المرافقين بهذا السيران من يتحلق مع أمثالهم حول شاب يغني من الميجانا والعتابا وأبو الزلف، أو بعض المنولوجات الشعبية ومن ذلك: ميت مرّة مرّة قلت للبابا زوجني وشرم بيرم.
ويذهب البعض بتفسير القيام بهذه التكريزة، على أنها وداع وفسحة، وداع لما لذ وطاب يعيش المرء بعدها، بعيداً عن ملاذ الحياة الدنيا، للانصراف للعبادة، وقد يستمر المرء مع روحانية الصيام، كما قد يعود مأخوذاً بلهو الحياة الدنيا.
أما ما كان من أمر إثبات مولد هلال شهر رمضان، فقد ارتبط ذلك بتقاليد موروثة، وهذه التقاليد تلتزم بأسس علمية، ففي ليلة التاسعة والعشرين من شهر شعبان يجلس القضاة والعلماء، ووجهاء الأحياء بالمحكمة الشرعية التي كانت بزقاق المحكمة وبالقرب منها المدرسة الجوهرية، وذلك خلال الساعات التي يُتوقع فيها ظهور هلال شهر رمضان، بانتظار من يتقدم إليهم قائلاً: إنه شاهد هلال رمضان، وبعد التأكد من حُسن سمعة هذا الشاهد، فإذا تأكد ذلك مع وقت المشاهدة المتوقع وموضع الهلال واتجاهه، أعلن الصيام وبالتالي انصرف الوجهاء كل إلى الحي الذي أتى منه، لإعلان البشارة وانطلاق المسحرين كل إلى نطاقه لإعلام الناس بذلك.
وقد نقل لنا ابن طولون في كتابه القلائد الجوهرية حالات من إثبات مولد هلال شهر رمضان ومن ذلك أنه في عام 895 للهجرة تهيأ الناس لصوم اليوم التالي، فأضيئت المساجد وازدحمت الأسواق، وعلّقت القناديل المشعلة بالمسجد الأموي.
فاستغرب الموقنون ذلك، وقالوا إن رؤية هلال شهر رمضان عسرة، ومكثه على ست درج فأنكروا على شعل القناديل بجامع يلبغا فأطفئت القناديل بالمساجد ثم أتى رجل وشهد أنه رأى هلال رمضان، فلما تطابقت شهادة الرجل مع الوضع الفلكي للهلال، زكّي الرجل المشاهد، فحكم بقبول شهادته وأعيد إشعال القناديل وأصبح الناس صياماً.
ولكل مدينة في سورية مجلس مماثل على اتصال مع مجلس مدينة دمشق لتبليغ ما قد يحدث من مولد هلال شهر رمضان، وكان القاضي الشرعي ومجلسه بدمشق، يبقى بالمحكمة الشرعية حتى ساعة متأخرة بانتظار من يثبت مولد هلال شهر رمضان بأي منطقة في أنحاء البلاد.
فإذا تأكد القاضي من صحة المشاهدة وتوافقها مع الميقان يجري التشاور في مجلس القاضي فإذا كان الإيجاب يعلن الصيام.
واستعداداً لهذا الشهر المبارك تدب الحركة في المسجد الأموي ويتعاظم فيه النشاط، وتتوزع الأعمال وتنسّق بشكل يكون فيه المسجد مُعداً لاستقبال المصلين والمقبلين على الطاعات طوال النهار وجانباً كبيراً من الليل، وبالطبع فإن المساجد الأخرى بدمشق كمسجد الشيخ محي الدين وجامع التوبة والسنانية ومساجد تكون على جانب كبير من الاستعداد لاستقبال هذا الشهر المبارك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن