اقتصادالأخبار البارزة

«مداد» يقترح آلية للحدّ من التهرب الضريبي ومكافحة غسل وتمويل الإرهاب … ربط المصارف إلكترونياً بالجهاز الضريبي «المركزي» يضبط السرية المصرفية

| الوطن

سلّط مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» الضوء على التهرب الضريبي، وهي القضية التي يعاني منها الاقتصاد السوري منذ تأسيس وزارة المالية، إلا أن درجاته كانت تتفاوت، وربما وصلت الذورة خلال الحرب، مقترحاً تفعيل دور القطاع المصرفي للحدّ من تلك الجريمة، وذلك عبر نشره لدراسة بعنوان «الحدّ من التهرب الضريبي بتفعيل دور القطاع المصرفي».
وبحسب الدراسة التي حصلت «الوطن» على نسخة منها، فقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التهرب الضريبي وتأثيراته السلبية في المجتمع، الأمر الذي دعا المعنيين في وزارات الدولة عامةً، ووزارة المالية خاصةً، إلى أخذ المبادرة بطرح جملة من مشاريع الإصلاحات التشريعية والإدارية لنظام الضرائب والرسوم.
وما تحاول الدراسة تقديمه اليوم بهذا الخصوص، هو عبارة عن مقترح مهني وعلمي لتفعيل دور وزارة المالية في تعزيز نظام الضرائب والرسوم، سعياً للحد من جريمة التهرب الضريبي بما ينعكس إيجاباً على المصلحة العامة.
وحسب الدراسة، تعود مشكلة التهرب الضريبي أصلاً إلى ضعف الثقافة القانونية والمجتمعية الخاصة بأهمية دفع المكلفين لضرائبهم الحقيقية، ومدى انعكاس ذلك، إيجاباً أو سلباً على الأفراد والمجتمع والمصلحة العامة؛ وتظهر هذه المشكلة نفسها في سعي بعض المكلفين إلى استغلال وجود ضعاف النفوس من مسؤولي الضرائب لإيجاد طرق غير قانونية للتهرب الضريبي، ذلك أن القوانين والتشريعات الخاصة بفرض الضرائب تعتمد أساساً، على التقديرات البشرية (مراقبو الضرائب)، من دون الاستناد إلى فكرة الرقابة المزدوجة، أو التقارير المالية من جهات حيادية تعمل على تقدير حركة أموال المكلف ضريبياً، أو تعتمد على تلك البيانات التي يقدمها المكلف نفسه. وقد آن الأوان لتغيير هذه الآلية بالاستفادة من التطور الحاصل لدى باقي القطاعات ذات الصلة.

طموحات «إلكترونية»
يتم الحديث اليوم والتوجيه من الحكومة نحو تفعيل دور الدفع الالكتروني وبناء منظومته الإلكترونية، ذلك يمكن تفسيره بقناعة الحكومة بما تحققه هذه المنظومة من تفعيل إيجابي لتنفيذ السياسة النقدية من جهة، والمعرفة الحقيقية لأنشطة القطاع الاقتصادي من جهة أخرى، خاصة للقدرة المتاحة من خلال أرقام الأعمال المُنجزة التي تشكل بيانات حقيقية أمام مُتخذ القرار، تساعده في قرارته التي ترسم وتترجم سياساته النقدية والاقتصادية.
كما أنه ينبغي في أُفق هذه الإرادة، التوجّه اليوم نحو مشروعٍ مستقبليّ يحمل تسمية الحكومة الالكترونية، إذ يمكننا بما هو مُتاح وموجود اقتراح الربط المهني والعلمي بين مسعى الحكومة والإصلاح الضريبي.
فعند ما تم إدراج التهرب الضريبي في المرسوم التشريعي رقم 46 لعام 2013 كجريمة من جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لم يكن ذلك اعتباطاً أو بالمصادفة المحض، وإنما هو تأكيد من المشرع على التأثير السلبي لهذا الجرم في المصلحة العامة، فقد تمّ عدّه جرماً معاقباً عليه كجريمة لغسل الأموال وتمويل الإرهاب. ومن المعروف قانوناً أن الجهة المسؤولة عن مكافحة ومراقبة ومتابعة جرائم غسل الأموال هي الهيئة المُحدثة بهذه التسمية، أي «هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب».
إذاً، نحن إزاء مؤسستين حكوميتين تُعنيان بالجريمةِ ذاتها، فمن المنطقي أن يتم رسم خطة للعمل المشترك بينهما، ولكن ليس ورقياً وإنما عملياً، ولو تم ذلك لما كنا اليوم أمام مقترحات تخص مكافحة التهرب الضريبي غير المضبوط.

«مداد» يقترح
قدمت الدراسة بناءً على ذلك الآلية التالية:
أولاً: تتم بدايةً دراسة شكل الربط المعلوماتي بين القطاع المصرفي (المؤسسات المالية المُرخصة) والجهاز الضريبي (وزارة المالية) وبطريقة لا يتم فيها تجاوز قانون السرية المصرفية، إذ يتم إرسال جملة البيانات عن الأنشطة التجارية إلى وزارة المالية لتتم مقارنة هذه البيانات مع الإفصاحات الضريبية للمكلفين. وبذلك يتم بداية منع التلاعب بهذه الأرقام التي تدل على حجم الأعمال.
ثانياً: يتم العمل على وضع مصفوفة للتصرفات القانونية ذات الأثر المالي، إذ لا يتم قبول التسويات المالية للأعمال ذات الغرض التجاري، إلا عن طريق المؤسسات المصرفية. وكمثال على ذلك يمكن تحديد تسويات البيوع العقارية حصراً عن طريق المصارف، كذلك الأمر في قطاعات أخرى أو بيوع أخرى. هذا الإجراء يمكن أن يكون مفيداً في تحقيق مكافحة جريمة غسل الأموال الناجمة عن التهرب الضريبي، بالإضافة إلى الفوائد التالية:
1-التمهيد مبدئياً لتوجيه جميع الأفراد نحو فتح الحسابات المصرفية لتمكينهم من التسويات المالية لتصرفاتهم (تنفيذاً للمصفوفة المذكورة أعلاه)، ونكون قد حققنا بذلك التمهيد لمشروع الحكومة بتفعيل الدفع الإلكتروني، ذلك أنها تتطلب بشكل أساسي حسابات مصرفية من جهة، وتمهيداً لتطبيق مفهوم المنظومة الإلكترونية بشكل عام من جهة أخرى.
2-يتم ضبط الإيداعات النقدية والحوالات المالية الناتجة عن التصرفات القانونية بغرض التسوية المالية للبيوع. وبالتالي يتم تحقيق متطلبات مصرف سورية المركزي ورقابته وفق ضوابط (KYC) أي (اعرف عميلك).
3-تمكين الجهاز الحكومي من الوقوف على إحصائيات وقاعدة بيانات غاية في الأهمية، إذ تُتيح له وتساعده على اتخاذ القرارات المناسبة فيما يخص السوق الاقتصادي والاجتماعي والاستهلاكي وغيره، كون عمليات البيع والشراء أصبحت، إحصائياً وكمياً، مطروحة أمامه بأرقام حقيقية وليست تقديرية.
ثالثاً: يتم العمل وبشكل إستراتيجي على إدخال القطاعات المشمولة بالتسوية المالية المصرفية، حسب رؤية الحكومة وأهمية تلك القطاعات (بيع العقارات، وتجارة الجملة، والقطاع الصحي أوالدوائي، والاستيراد…. إلخ) في المصفوفة الإلكترونية لتسويات البيوع.
رابعاً: يُطلب عن طريق مصرف سورية المركزي، وفقاً للضوابط غير المخلّة بالأنظمة والقوانين، خاصة تلك المتعلقة بالسرية المصرفية، التوجيه إلى المصارف حسب نوعية أو فئة التصرف القانوني المبين أعلاه، إرسال أرقام أعمال الأفراد إلى وزارة المالية للمطابقة مع التكليف الضريبي. الأمر الذي يمنع التلاعب بالأرقام أو المطارح الضريبية.

في المحصلة
إن العمل -وفق ما تم اقتراحه- على الربط المهني بين وزارة المالية والقطاع المصرفي، عن طريق مصرف سورية المركزي، إنما يمهد لإنشاء بنية تحتية صحيحة للحدِّ من جريمة غسل الأموال المتمثلة في التهرّب الضريبي، وبالمقابل يمهد للمشروع الحكومي الخاص بالدفع الإلكتروني وتكوين إحدى ركائزه المتمثلة بتوسيع قاعدة الحسابات المصرفية، الأمر الذي يمهد مستقبلاً لطرح فكرة المنظومة الإلكترونية للتسويات المالية، وبالمقابل يمكننا الحديث عن تشجيع القطاع الاقتصادي على الاستثمار فيه بوساطة شركات الدفع الإلكتروني وتعدد قنواته المصرفية ووسائله الالكترونية، وبالنتيجة الإسهام في وسائل إنجاح فكرة المحول الوطني للمدفوعات الالكترونية التي تم الإعلان عنها، من مصرف سورية المركزي، وتحقيق الهدف الرئيس في الحد من التهرب الضريبي وغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وعليه، يمكننا بوساطة هذه الآليّة الحديث عن عملية الإصلاح الضريبي، وفق تفكير يتلاءم مع المشروعات الحكومية من جهة، والحد من التهرب الضريبي الذي يفوت على الخزينة العامة مليارات الليرات من دون وجه حق ومكافحة غسل وتمويل الإرهاب من جهة ثانية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن