سورية

تركيا متفقة مع شريكتيها في «أستانا» على رفض السياسة الأميركية شرقي سورية

| أنس وهيب الكردي

ضمن سياسة المناورة الأميركية على الحبال التركية الكردية، رفضت واشنطن منح الرئيس المشترك لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي- بيدا» الكردي صالح مسلم تأشيرة لدخول الولايات المتحدة، وذلك في وقت بدأت فيه بإمداد مليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية التابعة للحزب بصواريخ مضادة للدبابات ضمن المعركة من أجل الرقة!
بالنسبة لأنقرة، لا أدل من هاتين الخطوتين على ازدواجية المعايير الأميركية حيال تركيا، فعدم استقبال مسلم في الولايات المتحدة لا يخفي حقيقة أن واشنطن تنسق كامل سياستها ضد داعش في سورية مع هذا الزعيم الكردي، الذي تم استقباله قبل نحو أسبوعين في قصر الإليزيه من قبل الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، وأثارت الطروحات الأميركية بتحويل شمال سورية إلى ما يشبه إقليم كردستان العراق، الفزع في نفوس المسؤولين الأتراك.
في المقابل، وجدت تركيا مع شريكتيها في عملية أستانا، روسيا وإيران، قواسم مشتركة تتمثل في معارضة السياسة الأميركية في سورية، وإن كان لأسباب مختلفة بطبيعة الحال، وهذه السياسة التي «تتغطى» برفع راية مكافحة تنظيم داعش، تخفي أهدافاً جيوسياسية بعيدة المدى، فالموقف العملي لواشنطن فعلياً يسعى إلى عرقلة تسوية أزمة سورية وإدامة الحرب في غرب البلاد، وذلك كي تتفرغ الولايات المتحدة لترسيخ وجودها طويل الأمد في الشرق السوري عبر قواعد عسكرية، وإكمال بناء الكيان الكردي هناك.
وبينما قد لا يكون هناك مشكلة تركية مع الوجود العسكري الأميركي في شرق سورية، كون الدولتين حليفتين في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، لا يمكن لتركيا إلا أن تتوجس من المشروع الأميركي بخصوص إقليم كردي في شمال سورية، وأشد ما يقلق أنقرة من هذا الإقليم أن المتحكم بمقدراته هو حزب «بيدا» الذي تعتبره أنقرة بمثابة الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني.
في المقابل، لا تريد موسكو وجوداً أميركياً في دولة متحالفة مع روسيا، في حين ترفض إيران أي وجود أميركي في المنطقة وتسعى إلى التخلص منه ووراثته، وهاتان العاصمتان، موسكو وطهران، ترتبطان بعلاقات جيدة مع «بيدا»، وبالنسبة لروسيا فقد عرضت إقامة مناطق إدارة ذاتية في مشروع الدستور السوري الذي طرحته على الأطراف السورية، في حين يتبادل حلفاء إيران في سورية والعراق مع «بيدا» و«الكردستاني» الخدمات.
وتوفر موسكو وطهران دعماً لتركيا من أجل زعزعة استقرار المشروع الأميركي على الأقل في شمال سورية، وهكذا ولدت عملية «درع الفرات» وعملية أستانا.
ونبهت الدبلوماسية الروسية قبل يومين إلى مخاطر نشوب تصعيد جديد في شمال سورية بين الأتراك والأكراد، لكنها لم تحدد موقفها من مثل تصعيد كهذا إذا ما وقع.
وبالفعل فشلت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أدروغان إلى الولايات المتحدة في طمأنة تركيا حيال المستقبل، ويبدو أن ما قدمته واشنطن من ضمانات لأنقرة لم يكن كافياً أو مقنعاً في نظر أردوغان، نتيجةً لذلك، أعلنت أنقرة أنها لن تشارك في عملية الرقة أي أنها لن تسمح بانطلاق طائرات التحالف الدولي المشاركة في العملية من قاعدة أنجرليك العسكرية.
وكان وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو صريحاً بقوله: إن الحكومة التركية غير مقتنعة بالضمانات التي قدمتها الولايات المتحدة حيال مسلحي «حماية الشعب»، مكرراً تأكيده أن «بي. كي. كي» و«بيدا» الذي وصفه بـ«امتداد العمال الكردستاني السوري» هما تنظيم واحد، كاشفاً أن «واشنطن تعترف بذلك».
وفي انتقاد مبطن لواشنطن، أكد جاويش أوغلو خلال مشاركته بجلسة عقدت ضمن منتدى الأمن العالمي الـ12 في العاصمة السلوفاكية براتيسلافا، أن بذل المزيد من الجهود لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، لا يقل شأناً عن محاربة تنظيم داعش والسعي للقضاء عليه، ودعا المجتمع الدولي والأطراف المعنية بالأزمة السورية على وجه الخصوص، إلى إيلاء نفس الأهمية لمحاربة داعش وإيجاد حل للأزمة السورية، في إشارة غير مباشرة إلى الولايات المتحدة.
ورأى أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» يحارب داعش بهدف توسيع نطاق سيطرته وتقسيم سورية وليس كرهاً بالتنظيم أو بأيديولوجيته.
في الغضون، قال الرئيس المشترك لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي»، إن واشنطن لم تمنحه تأشيرة دخول لزيارتها، متهماً «اللوبي التركي في أميركا» بالوقوف وراء رفض منحه تأشيرة الدخول. واضطر ذلك مسلم إلى المشاركة، عبر خدمة «السكايب» في مؤتمر «تأثير المساعدات العسكرية الأميركية للكرد على الشرق الأوسط» الذي عقد في واشنطن.
وهي المرة الثانية التي يطلب فيها صالح مسلم زيارة الولايات المتحدة وسط غموض أسباب رفض واشنطن ذلك، في حين أن السلطات الأميركية لم تدرج الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي على قائمة الإرهاب.
وفي تناقض مع هذا الرفض، أرسلت الولايات المتحدة دفعة جديدة من الأسلحة إلى «قوات سورية الديمقراطية» بحسب ما نقلت وكالة سبوتنيك الروسية، عن ممثل عن «الحزب الديمقراطي» الكردي، أن الأسلحة المقدمة وهي صواريخ حرارية بأهداف مركزة ومباشرة لصد الدبابات، بالإضافة إلى مدرعات عسكرية برية، كما شملت كمية كبيرة من الذخائر المختلفة وقطع غيار للآليات العسكرية المقدمة سابقا من الولايات المتحدة.
وتتهم الحكومة التركية، حزب «الاتحاد الديمقراطي» بارتباطه بحزب «العمال الكردستاني» المحظور في تركيا، وتدرجه على لوائح «الإرهاب» لديها، في حين ينفي الحزب، الذي أعلن قبل سنوات إنشاء «الإدارة الذاتية» شمال وشرق سورية، ارتباطه بـ«الكردستاني»، رغم تقارير صحفية تشير إلى وجود قياديين من الكرد الأتراك في صفوفه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن