قضايا وآراء

«النظام الإقليمي» في سورية

| مازن بلال 

بدأت بعض ملامح الصراع تتضح بعد القمم الثلاث في الرياض، فبغض النظر عن الشكل الاحتفالي لاستقبال الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ فإن مساحة التوافق داخل المنطقة تتهشم بشكل سريع، والانعكاس الأهم ما أحدثته الحملة الإعلامية بين قطر وباقي دول الخليج، فاجتماعات الرياض على ما يبدو لا تحتمل أي هامش لرسم استقرار على ضفتي الخليج، وسينعكس هذا الأمر بشكل سريع على الساحة السورية التي تعتبر مجالا لاختبار كل التحركات السياسية.
تبدو المشكلة في السيناريو الذي تم وضعه في الرياض في أنه خال من التفاصيل، فهو مرسوم على سياق الإدارة الأميركية التي تترك للتداعيات أن تحدد الشكل النهائي لعلاقات المنطقة، فالكثير من التفاصيل يحتاج للمسات نهائية حتى تستطيع دول المنطقة تحديد مساراتها المستقبلية.
الأزمة مع قطر كانت تداعيا أوليا لعدم القدرة على حشد معسكر صلب، وفي المقابل فإن العودة إلى حلف شمال الأطلسي بعد اجتماعات الرياض؛ توضح أن الولايات المتحدة لا تعول على رسم الشرق الأوسط كحليف ضد إيران، بل تقوم بإعادة تجميع القوة في أكثر من مكان في العالم.
يعيد الرجوع إلى «الناتو» في مسألة الحرب السورية شكلا غير مسبوق في الصراع القائم، فواشنطن قدمت بعد زيارة ترامب للرياض رسالة لأوروبا عن طريقتها في محاربة الإرهاب، وهي تريد من «الناتو» العمل على محاربة داعش بالمسار نفسه، وزجه كمؤسسة كاملة في «التحالف الغربي»، ويحمل هذا الموضوع أمرين أساسيين:
– وضعت إدارة ترامب استحقاقاً عملياً أمام القوى الغربية كي تدخل مجتمعة في الحرب الدائرة في السورية، حتى ولو لم تشارك هذه القوات في العمليات العسكرية، فالغرض الأساسي عملية الفرز الدولي الحاد تجاه المعسكر الآخر الذي يحارب الإرهاب، فبعد الفرز الإقليمي في قمة الرياض؛ هناك تحديد آخر على المستوى الدولي يواجهه «الناتو»، واستدعى قلقا روسيا لأنه سيزيد من حدة الاستقطاب الدولي عبر البوابة السورية.
– الأمر الثاني مرتبط بإعادة تشكيل الشرق الأوسط عبر عمليات مكافحة الإرهاب، فهذه الحرب ستستند عاجلا أو آجلا إلى قواعد سياسية ستعيد رسم العلاقات الدولية والإقليمية، والهدف العام والمشترك في محاربة داعش يؤسس لأخلاق عسكرية جديدة، ولمنطق مختلف في حل الأزمات على المستوى الدولي.
يرسم الجميع مناطق وجوده في سورية من الشمال والشرق والجنوب، ورغم أن الغاية النهائية لا ترتبط بتقسيم سورية، فهي متعلقة بوضع اعتبارات جديدة على مستوى النظام الدولي، لكنها ستؤثر في بنية جميع الدول وليس سورية فقط، فالإدارة الأميركية التي تمثل «التوحش» في الصراع على الأسواق، تسعى لكسر الجميع من خلال الاستناد لمناطق الصراع، وإذا كانت الحرب في سورية بوابة لهذا الموضوع، فإن كل مناطق التوتر الأخرى مؤهلة لتكون مسرحا للتعامل الأميركي، فنحن أمام بداية سنوات أربع، ستستهلكها الإدارة الأميركية في تشكيل الصراعات، بشكل يمكنها من القبض على النظام الدولي عبر تحالفات تؤسسها في محيط الأزمات القائمة اليوم، والبداية كانت من سورية عبر الجزيرة العربية جنوبا و«الناتو» من الشمال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن