قضايا وآراء

هل حقاً هناك استراتيجيةٌ قادمةٌ لدى أوباما للحرب على داعش، أم إنها إكمالٌ لمسلسل الحرب… بـ«داعش»؟…مناقشة هادئة لخطاب أوباما من البنتاغون: بحثٌ عن شركاء أم تجنيدٌ للعملاء؟!

فراس عزيز ديب : 

من جديد، عاد الرئيس الأميركي «باراك أوباما» لحملته التضليلية التي يدَّعي من خلالِها إصرار واشنطن على محاربة تنظيم «داعش» في سورية، مع تأكيده أن هذا الأمر سيستغرق زمناً. كلام أوباما جاء هذه المرة من البنتاغون حيث المركز الحقيقي لصناعة القرار الأميركي بعيداً عن وهم الديمقراطية، لأن الإنسانية ستبقى أسيرةً لطموحات عتاة الحرب الأميركيين.
في هذا الحديث وقع أوباما بمغالطاتٍ عدة، فهو تحدث عن إصاباتٍ محققة لما سماه مقرات التنظيم في الرقة، لكنه لم يفسر لنا كيف أدانت إدارته نهاية الصيف الماضي قيام المقاتلات السورية بقصف مقراتٍ لـ«داعش» في الرقة على الرغم مما حققته من إصابة لأهدافٍ مركزةٍ. يومها كان الادعاء مكرراً كالعادة، بأن القصف طال مدنيين، فالإدارة الأميركية تريد إقناعنا بأن مقاتلاتها الأميركية بالتشارك مع مقاتلات «آل سعود» في اليمن لا تصيب المدنيين، بل إنها مخصصةٌ فقط لإصابة الهدف، ألا يبدو هذا التناقض دليلاً على أن نيات أوباما في محاربة داعش لا تشبهها إلا نيات «آل سعود» في تحويل مملكتهم لملكية دستورية!
كذلك الأمر بدا واضحاً من حديث أوباما من خلال تركيزه على فكرة قيام المقاتلات الأميركية باستهداف «مصافي النفط» التي تشكل مصادر تمويل للتنظيم، مؤكداً أن عناصر التنظيم لا يتلقون أي دعم من أي دولة.
بالتأكيد وفي مرور سريع على الدول المعنية بـ«الشأن الداعشي» وعندما نتحدث عن الدول المجاورة لسورية التي تدعم التنظيم فإننا نستثني العراق لأنه ضحية، ونستثني لبنان والأردن باعتبار أن في كليهما لا يوجد للتنظيم «مربط فرسٍ» فاعلٍاً، رغم كثرة ما يُحكى عن الخلايا النائمة. يبقى من هذه الدول تركيا التي حاول أوباما بطريقةٍ غير مباشرةٍ تبرئتها من التعاون مع التنظيم، ليقع من جديد في مطب التناقضات، فهو يدَّعي من جهةٍ أن مصافي تكرير النفط تشكل مورداً لتمويل التنظيم، لكنه يتجاهل المكان الذي يتم فيه تسويق هذا النفط وبيعه؟
في شباط الماضي تحدثت «الأوبزرفر» البريطانية في تقريرٍ لها عن تحول تركيا لشريان اقتصادي لـ«داعش»، حتى وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية «ديفيد كوهين» أكد في تصريحاتٍ له نهاية العام الماضي عن قيام داعش ببيع النفط العراقي لـ«أكراد» الذين يقومون بدورهم ببيعه للحكومة التركية التي تعرف أنه مسروق. أما في سورية فالمعلومات تقول: إن البيع يتم بشكلٍ مباشرٍ من دون وسيط. هذا من دون أن نغفل عدم قيام التنظيم بالمساس بقبر «سليمان شاه»، مروراً بإطلاق سراح الدبلوماسيين الأتراك الذين تم أسرهم في الموصل دون أي مشاكل!
كذلك الأمر لماذا تجاهل أوباما في حديثه أن الإرهابي «طارق الحرزي» الذي قُتل قبل أسبوع في «الشدادي»، كان من ضمن مهامه تجنيد الإرهابيين وجمع أموال للتنظيم، من بينها حصوله على تبرعاتٍ بأكثر من مليوني دولار جاءت من مشيخة قطر؟!
أما التناقض الأخير فهو متمثلٌ ببدعة أن الحرب على التنظيم تنجح عندما يكون هناك «شريك على الأرض». هذا يثبت تماماً الفكرة القائلة: إن الحرب على التنظيم هي حربٌ ليست انتقائية فحسب، لكنها تنطلق أيضاً من هدفٍ أساسي وهو جعل التنظيم أشبه بفزاعةٍ لضرب كل من لا ترضى عنهم واشنطن.
لا نعلم عن أي شركاء يتحدث أوباما، علماً أن أبجديات السياسة تنطلق من هدفٍ أن «العدو المشترك» لعدة أطراف يجمع المتناقضين، هذا ما حدث عندما اتحد الجميع ضد «هتلر»، لكن ما الذي يثبت لنا حتى الآن أن «داعش» هي عدوٌ للولايات المتحدة؟ العداء لـ«داعش»، ليس بالتصريحات فحسب، لكنّه ممارسةٌ.
في المقابل هناك من يرى بأن أوباما مرَّر عبارة «الانتصار على «داعش» حال وجود الشريك على الأرض» كنوعٍ من المقدمات لما قد ينتظرنا في الأسابيع القادمة، تحديداً ما يُحكى عن السعي الروسي لتوسيع التحالف الدولي ضد الإرهاب، وهذا الأمر قد يكون مرتبطاً بشكلٍ أساسي ليس بمدى نجاح المفاوضات مع إيران فحسب، ولكن بمصير من خرج متخبطاً من بيت الطاعة الأميركي أولاً، ومن لا يزال يسلِّم مصير مملكته لمراهقٍ يعبث بها كما يشاء، فكلاهما بات يعاني، وما علينا إلا أن ننتظر جواباً على السؤال المُكرَّر؟
هل حقاً هناك إستراتيجيةٌ قادمةٌ لدى أوباما للحرب على داعش، أم إنها إكمالٌ لمسلسل الحرب… بـ«داعش»؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن