قضايا وآراء

إذاً لماذا قالها تميم؟

| عبد المنعم علي عيسى

سواء أكان البيان المنسوب إلى أمير قطر تميم بن حمد في الرابع والعشرين من أيار الجاري صحيحاً أم غير ذلك، فالضرر الناجم عنه واحد، ومن الواضح أن الخصوم قد تعاملوا مع الأمر كواقع مؤكد أو لم يذهبوا كما جرت العادة في هكذا حالات نحو تمشيط القنوات الدبلوماسية للاستيضاح عما جرى كما تستدعي علاقات الصداقة، فكيف الأمر إذا ما كان المعلن هو التحالف؟
لربما تعامل الخصوم مع الأمر كحالة واقعة انطلاقاً من أن قطر واصلة إلى هذه المرحلة اليوم أو غداً أو بعد غد، فالتقارير تروح وتجيء حاملة معها تسريبات حول مسعى خليجي «سعودي إماراتي» إسرائيلي، لإقناع الولايات المتحدة بنقل قاعدة العيديد إلى أي منهما، ولطالما اعتبرت قطر وبلسان أميرها أن القاعدة سابقة الذكر هي في صميم الأمن الوطني القطري، وهي «تحمي قطر من أطماع الخارج»، وما زاد الطين بلة في هذا السياق أن مجلة فورين بوليسي كانت قد نشرت قبل أيام من قمة الرياض مقالاً مفاده أن نائب الرئيس الأميركي الأسبق ديك تشيني (2001 – 2009) كان مقتنعاً بنقل القاعدة وأن وزير الدفاع الأميركي الحالي جيمس ماتيس هو أحد تلامذة تشيني النجباء، ثم أن الطلبات السعودية التي تبلورت إبان، وفي أتون، القمم التي شهدتها الرياض، كانت تتمثل في أمرين هامين اثنين الأول: هو أن توقف الدوحة دعمها للإخوان المسلمين والثاني: أن تغير قناة الجزيرة من نهجها الحالي بعد أن تجرى لها «سوفت وير» سعودية، والدوحة تدرك أن ذينك المطلبين يعنيان ببساطة إلغاء الوجود القطري تمهيداً لتذويبه في محيطه.
وانطلاقاً من أننا نؤكد أن البيان صحيح، إذ ما هو ذلك الهكر الذي استطاع أن يلامس أدق شغاف السياسات والمواقف القطرية التي لا يمكن أن تكون إلا في دائرة ضيقة جدا؟ً فإن السؤال الآن: هل ما قاله تميم بن حمد كان ناجماً عن بلاهة سياسية، يرى المصاب بها نفسه كأنه هو محور هذا الكون وعلى الآخرين ترقب تصريحاته أو تحليلاته؟ وهو قول يدعمه ما جاء في البيان من مثل الإشارة إلى المتاعب الداخلية التي يعاني منها دونالد ترامب وصولاً إلى التنبؤ بسقوطه القريب، فهكذا تصريح من الصعب فهم الجدوى منه حتى لو كان صحيحاً، لأنه من النوع الذي لا يقال، ثم ما هي مصادر المعلومات التي استند إليها البيان للوصول إلى التنبؤ سابق الذكر؟ وهو أمر يفترض وجود إلمام عميق بأمرين مهمين الأول: دقة توازن القوى الداخلية الأميركية، والثاني: هل تمتلك تلك القوى دوافع التحرك فعلاً، والحساب هنا يجب ألا يدركه الخطأ تحت طائلة السعير الأميركي؟
الاحتمال الثاني أن تميم كان يستند فيما ذهب إليه إلى التناقضات شديدة التعقيد القائمة فيما بين الدول المحورية الموقعة على إعلان الرياض:
مثل التناقض السعودي المصري الذي تكشف بقوة مع تسريبات شباط وأيار عام 2015 التي وثقت لسخرية عبد الفتاح السيسي من آل سعود، فيما قابله هؤلاء برد أكثر جدوى سياسية حين سربوا تسجيلاً صوتياً في كانون الأول 2016 جاء على لسان راس هرم السلطة السعودية، أن السيسي هو من يتحمل مسؤولية الهزيمة التي تتعرض لها بلاده في اليمن؟
أو التناقض الأردني السعودي الذي كشفته الجلسة الافتتاحية في القمة وفي الردهات، حيث قيل إن ثمة استياء سعودياً بالغاً كان قد نقل إلى الوفد الأردني جراء تأخر الملك عبد اللـه لخمس وعشرين دقيقة عن موعد الجلسة، وعندما ذهب هذا الأخير في كلمته إلى الصلاة على النبي العربي «الهاشمي»، لم يستطع الملك سلمان أن يمررها له، فرد بما وصفته وكالات الأنباء بخشونة التعليق مصححاً بالصلاة على النبي العربي الإبراهيمي.
ما نريد قوله هنا: إن الرياض لم تكن مستعدة لتمرير أي هفوة وهو أمر لا يفهم إلا على أساس تراكم الاحتقان في الجعبة السعودية اتجاه الأردن، أو التناقض الإماراتي السعودي الحاصل في اليمن، وهي من أهم الأزمات بالنسبة للرياض، فقد فرضت الجغرافيا السياسية على الإمارات، ومعهم الأميركيين، موقفاً مغايراً لموقف السعودية بحكم عدم وجود حدود مشتركة لديها مع اليمن، الأمر الذي استدعى تقليص حجم المصلحة السياسية لصالح المصلحة الاقتصادية، في حين أن مئات الأميال التي تحاذي بها الجغرافيا السعودية نظيرتها اليمنية كانت قد فرضت ترجيحاً للمصلحة السياسية يصل إلى حد أن الرياض تريد قولبة اليمن بما يلائم أمنها واستقرارها.
الشاهد أن كل التناقضات سابقة الذكر حقيقية ولربما كان هناك الكثير منها أيضاً، إلا أن الرهان عليها في اللحظة السياسية الراهنة يبدو رهاناً خاسراً، لأن تلك المتناقضات لا تملك العامل الجامع فيما بينها ثم إن «ميكافيلية» جميع الأطراف تفترض لقاؤهم، لأن أي واحد منهم لا يستطيع أن يقلع شوكه بيده لوحده.
في مطلق الأحوال، فإن قطر قد دخلت في المحظور السياسي الذي يصعب معه التنبؤ بالمآلات التي يمكن أن يصل إليها، إلا أن المؤكد أن الخسائر القطرية سوف تكون بالجملة.
ما قبل أحداث أيلول 2001 أطلق الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين تهديدات نارية ضد إسرائيل، حتى إنها وصلت إلى التلويح باستخدام أسلحة تدمير شامل ضدها، وفي أعقاب الأحداث بدا وكأن الحكاية «قد حميت»، وما جرى هو أن العراق أخذ يبث رسائله العديدة إلى واشنطن لإيضاح التصريحات سابقة الذكر، وفي إحدى المرات كان القائم بالفعل مسؤول أوروبي لبلاده مصالح اقتصادية كبرى في العراق، وفي أثناء لقائه مع الرئيس الأميركي جورج بوش الابن كان يحاول إقناع هذا الأخير بأن تصريحات صدام لا تعدو أن تكون تصريحات دعائية، وفي حينها رد بوش: إذا كان صدام لا يملك أسلحة تدمير شامل فإذاً لماذا قالها؟ وفي محطات اللقاء كانت هناك محاولات أخرى للمسؤول الأوروبي تصب في خانة أن صدام لا يعي ما يقول أو هو لا يدرك مفاعيله، فجاءت ردود بوش على جميعها بتكرار جوابه السابق: إذا لماذا قالها؟ ثم انزلقت الأمور إلى النهايات المعروفة.
الآن يبدو أن الدوحة وتميم قد دخلا «مرحلة إذاً لماذا قالها؟» ومن المؤكد أن الردود الأميركية التي ستلقاها رسائل التوسط مابين الدوحة وواشنطن جميعها ستحمل هذا الجواب المار ذكره.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن