قضايا وآراء

حسابات الحكومة الأميركية بين الواقع والآمال

| عبد السلام حجاب 

إن «البقرة الحلوب» التي أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تصريحاته الانتخابية وأنه سيحلبها حتى آخر قطرة، لن تعطي حليبها إلا لمن يُخضعها ويتقن ترويضها.
وللتخفيف ما أمكن من وقع تصريحاته السابقة قبيل الانتخابات الرئاسية، كانت الأثمان وعوداً وتصريحات وما حصل عليه ذهباً وألماساً ويختاً من الذهب وتمثالاً له وشارعاً باسمه.
ولقناعة وحسابات الحكومة الأميركية العميقة في واشنطن، بأن الإرهاب بدأ يخسر في السياسة كما في الميدان، أرسلوا الرئيس ترامب إلى مركزي الإرهاب الرئيسيين: الرياض العاصمة السعودية وتل أبيب حيث الكيان الإسرائيلي يشكل قاعدة الناتو والإرهاب العالمي، لتبديل الوقائع وتغيير الحقائق، فجاء أشبه بحصان طروادة جديد ملفوف بورق السولفان اللامع والملون، ليحقق النتائج التي يسعى إليها ولا سيما قد سبقت الزيارة حملات شعوذة إعلامية تولت القيام بها مؤسسات صناعة الإعلام الأميركية ومتفرعاتها الخضراء والصفراء وبيادقها الصغار المنتشرة على مساحة رقعة الشطرنج من الإرهابيين المعتدلين وغير المعتدلين.
ولتضيع مكافحة الإرهاب بين مماطلة الأقوال وميوعة الأفعال، أو تحريكها في غير اتجاهاتها الصحيحة، وهو في طريق العودة في العاصمة الرياض وقبل أن يصعد طائرته الرئاسية، كانت عينا ترامب تفحصان رمل الصحراء الممتدة وفكرة استثمار النفط ورمال الصحراء تدور في رأسه كالمثل الدارج: الفاجر يأكل مال التاجر.
لقد حصد الرئيس ترامب في بلاد النفط والرمال جائزة تبديل أولويات الصراع والحقائق في المنطقة، في محاولة ليجعل العدو صديقاً والصديق عدواً.
عمل ترامب في الرياض كاسحة ألغام لإزاحة آثار الإرهاب وعلاماته من الواجهة السعودية ويستبدلها بعبارات يدرك ترامب أنها لا تتوافق مع بنية النظام السعودي، ولم يعد خافياً اليوم أن من يقف خلف الإرهاب والتنظيمات التكفيرية هي السعودية.
وإذا كانت مثل هذه المؤشرات ليست كافية لمن يقرأ كي يدرك أن سياسة التضليل والخداع والابتزاز التي يجري بناؤها على أساس الاستثمار بالإرهاب، فإن على إدارة ترامب الجديدة أخذ المتغيرات بعين الاهتمام وإدراك أن العالم لن يعود إلى الوراء.
السؤال الذي على ترامب الإجابة عنه: هل غيرت الزيارة وتفاصيلها، التصريحات التي جاءت منافقة ومتناقضة مع الوقائع؟ وهل يمكن لذلك أن يكون له تأثير في وقائع زيارته فيصبح الإرهاب صديقاً علنياً لترامب من دون تزوير بالوقائع أو تحوير بالحقائق واستخدامه في الحرب الباردة فيسمي الأشياء بأسمائها.
هنا على ترامب أن يقرأ بموضوعية الجهد السياسي والميداني الذي تبذله سورية جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد في محاربة الإرهاب مع حلفائها في إيران وروسيا والصين، وعلى ترامب أن يعمل بجدية وواقعية سياسية في إطار محاربة الإرهاب الذي يشكل العقبة الرئيسية أمام حل الأزمة في سورية أمام مهمة المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا من أجل التسوية السياسية على أساس القرار الدولي 2254 والحوار السوري السوري من دون أي تدخل خارجي أو شروط مسبقة.
لقد وضع اجتماع أستانا الرابع أساساً لمحادثات جنيف، حيث شكل التأكيد على الاتفاق الروسي الأميركي بشأن مذكرة «تحخفيف مناطق التصعيد» أساساً يمكن البناء عليه في تعزيز الاتفاق الروسي الأميركي لتثبيت وقف الأعمال القتالية في سورية، وألا يصبح السباق نحو خرق هذا الاتفاق سواء من التحالف الأميركي أو من التنظيمات الإرهابية، وسيلة لفرض شروط مسبقة تتناقض مع القرارات الدولية والجهد الروسي في أستانا وجنيف من أجل الحل السياسي للأزمة في سورية، فالكذبة التي تتلطى الاستراتيجية الأميركية الصهيونية سرعان ما تنهار ولأنها بحاجة إلى كذبة أكبر منها تستند إليها وتحول دون انزلاقها باتجاه كذبة أخرى.
إن سورية وحلفاءها سوف تكون مواقفها السياسية والميدانية جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس الأسد ومن ورائهم الحلفاء، قادرة على التصدي لكل أنواع التزوير والتضليل مهما كانت الجهات التي تقف وراءها وتدعمها، وعليه فإن الحالات الافتراضية التي بنت عليها الإدارات الأميركية السابقة مواقفها مثل الخلافات بين البنتاغون والخارجية الأميركية، لم تعد ذات جدوى حالياً نظراً للحقائق التي تتكشف سواء فيما يتعلق ببنية الإرهاب والقوى الداعمة له سياسياً ومادياً، حتى طلب الرئيس الصيني شي جينغ بينغ من ترامب دعم العملية السياسية وقرار مجلس الأمن الدولي 2254 القاضي بحق السوريين وحدهم بتقرير المستقبل الذي يريدونه وأن أجندات الإرهاب ما تزال تجد من يتبناها، وعسى أن تكون فرصة لتعويض الفشل الذي أحدثه الجيش العربي السوري على جبهة مكافحة الإرهاب سياسياً وميدانياً.
لا جدال بأن التصعيد الذي تمارسه أميركا يخدم أجندات الإرهاب من جهة ويرضي غرور ترامب من جهة أخرى، وهذا من شأنه توجيه رسائل خاطئة إلى المراهنين على أجندات في سورية والمنطقة، حيث على إدارة ترامب إزالة الحواجز التي كانت قد فرضتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما والخلافات الافتراضية بين البنتاغون والخارجية الأميركية والإعلان عن رؤية مختلفة عن الأخرى والمقصود هنا إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وهي التي من المفترض اعتمادها.
لكن قمة الرياض حملت افتراضات جديدة لا تتفق مع تصريحات ترامب الانتخابية ولا تخدم ما صرح به لاحقاً باتجاه محاربة الإرهاب وفق فهمه الذي جاء في تصريحاته الانتخابية ولا تخدم الأمن والاستقرار في أوروبا عامة والمنطقة بشكل خاص إنما تسهم في رفع مستويات الحرب الباردة بين روسيا وأميركا.
ليس مؤكداً أو معروفاً طبيعة الانعكاسات التي ستتركها تصريحات ترامب على كل من إيران وروسيا وما أثارته من تصريحات ساخنة لدى حلف الناتو وأمينه العام، لكن أحداً لن يذهب بعيداً بالتحليل إلى أكثر من حدود الحرب الباردة، لأن أي انزلاق باتجاه أبعد من ذلك، ليس من أحد في أوروبا أو خارجها، قادر على تحمل ما يمكن أن يسفر عنه من نتائج خطرة تتجاوز بآثارها حدود المنطقة باتجاه ما هو أبعد من ذلك سواء فيما يتعلق بإسرائيل أو ما يتعلق بتركيا وما تمثله في إطار الناتو.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن