ثقافة وفن

سفير سورية وآثارها، وأحد أهم علمائها في ذكراه العشرين … اللاذقية تستعيد ذكرى جبرائيل سعادة

| جورج شويط

كتبَ ملكُ أوغاريت قبل 3400 سنة: (ربي لا تنسَ هذه المدينة التي لا تنساك، أبعِد القراصنة عنها، وجنّبْها الحروبَ والويلات).
المملكة: أوغاريت. المدينة: اللاذقية. المُحتفى به: قامةٌ من قامات اللاذقية، إحدى مناراتها، الباحث وعالم الآثار، الأديب والمُوسيقي جبرائيل سعادة في ذكرى رحيله العشرين (1922– 15 أيار 1997). المكان: دار الأسد للثقافة في اللاذقية. الفعالية: (مع جبرائيل سعادة). الحضور: جمهورٌ غصت به القاعة (تلامذته وأصدقاؤه ومُحبّوه الذين جاؤوا ليبثوه نفحاتِ حب ووفاء).
مآثرُه لا تُوصف، اكتشافُ قِلاع، مواقع أثرية، تأسيسُ مدارس، ومتاحف، وأندية فنية، وفرق موسيقية، ورعاية مواهب المدينة الفنية. تأليفُ كتب ودراسات عديدة في التاريخ والآثار والفن والموسيقا.

قال عنه صديقهُ روائي البحر حنا مينه: (في اللاذقية بحران، بحرُ الماء، وبحرُ الآثار. فتحية إلى بحر الآثار وقبطان مركبِهِ العظيم جبرائيل سعادة).
عن الاحتفائية تحدّث لـ«الوطن»:
الباحث سجيع قرقماز– القائم على مبادرة التكريم:
(مع جبرائيل سعادة) إطلالة أردناها لتكريم قامة كبيرة من قامات اللاذقية في ذكرى رحيله العشرين. وهي واحدة من نشاطات متعددة، نقوم بها، ومن خلالها نسلّط الضوء على هذه القامة أو تلك، من خلال السينما– المسرح– الأمسيات الغنائية– المحاضرات– الندوات.
وجبرائيل سعادة أحد الأشخاص القريبين لنفسي، وأعتز بصداقتي الطويلة معه، فهو أستاذي، ونهلتُ منه العلمَ والمعرفة وأوجُهَ الحضارة. وكان يشبهني من حيث الاهتمام بأشياء مشتركة (التاريخ– الآثار– الأدب).
وقد أنجزتُ تكريماً له كتاباً وفيلماً توثيقياً وهذه الاحتفائية التكريمية لروحه.
جبرائيل سعادة قامة لا تتكرر، مثلما لا يتكرر محمود عجّان وحنا مينه والياس مرقص وأدونيس.
كلمة أصدقاء جمعية أوغاريت، ألقاها نائب رئيس الجمعية الفنان لؤي شانا حيث أشاد بجبرائيل سعادة كقامة فكرية ووطنية، يحمل ثقافات متعددة. مؤكداً أن الجمعية التي تحمل اسم أوغاريت، تزخر بنشاطات متعددة من شأنها الاحتفاء بالتاريخ والحضارة وأوغاريت، هذا الاسم العالمي الذي نعتز بالانتماء إليه.
كلمة وزارة الثقافة ألقاها الأستاذ مجد صارم مدير الثقافة.
مدينة اللاذقية التي اصطفاها اللـه لأن تكونَ حاضنة للتاريخ، حين تُذكر يُذكرُ معها اسمُ جبرائيل سعادة، الذي اهتمّ بآثارها وتاريخها وفنها.
ونعتز بالهدية القيّمة التي قدّمها لمديرية الثقافة، وهي عبارة عن مكتبة موسيقية مهمة، قلّ نظيرُها.
ألفرد سعادة: منذ طفولتي كان يُذهلني هذا الشخص المرح، المهمّ، المثقف، الباحث، المنفتح على الناس والأصدقاء، وهو الذي يهتمّ بالموسيقا وبمدينته وبأزقتها وملامحها وناسها البسيطين الطيبين.
د. بسام جاموس– مستشار وزير الثقافة: تعرّفتُ إلى الراحل جبرائيل سعادة منذ العام 1986 في أول معسكر تدريبي بابن هانئ، وكان معنا د. عدنان البني، عالم الآثار، الذي حدّثنا كثيراً عن شخص اسمه جبرائيل سعادة، وعن مكتبته الأثرية والموسيقية. ولديه عشرات الدراسات عن أوغاريت وجبل صافون ومناطق أثرية عديدة في سورية. كان يحب الوقوفَ بجوار بوّابة أوغاريت، حيث كان يدخلُ منها الملوكُ إلى أوغاريت، في ذلك الزمن الزاهي. كما يحب الترددَ والجلوسَ كثيراً في حديقة متحف اللاذقية، في الهواء الطلق، حيث تتوزع مجموعة من التوابيت المنحوتة والتماثيل واللقى الأثرية.
رحم اللـه جبرائيل سعادة والدكتور عدنان البني ومؤسس علم الآثار سليم عبد الحق والشهيد خالد الأسعد (أبو تدمر) الذي قتلته عصابات الظلام.
د. نهاد العبد الله: لم يتزوّج جبرائيل سعادة، لكنه عشقَ ملكات وأطياف صبايا أوغاريت، وأنجبَ منهنّ الكتبَ والمعارف، فكانتْ خيرَ ذرية لهذا الإنسان العظيم.
كان يُدافع، باستماتة، عن المواقع الأثرية التي كانت مهددة بالإزالة أو الهدم، وينجح في وقف إبادة هذه المواقع الأثرية القديمة من اللاذقية.
أوفدهُ الرئيس الخالد حافظ الأسد إلى أوروبا في بداية السبعينيات من القرن الماضي، كي يطلع الأوروبيين على الحضارة السورية. كما كان القائد الخالد يكنّ له احتراماً وتقديرا كبيرين، وكان يصحبه حين تكون لدى سيادته وفودُ رفيعة من رؤساء وملوك في جولاتهم على المواقع السياحية والأثرية المهمة.
مدير مكتبة الأسد بدمشق، طلب منه أن تكونَ مكتبته الشهيرة، التي تحتوي على (15) ألف كتاب هدية لمكتبة الأسد، لكن الراحل كان يرى أن تبقى المكتبة في جامعة تشرين ليستفيد منها طلبة اللاذقية، أحفاد أوغاريت كمراجع تفيدهم.
الملحن والموسيقي زياد عجان: الراحل جبرائيل سعادة من أعمدة النادي الموسيقي، وكان يعزف على آلة البيانو بأسلوبه الخاص، فيأسر القلوب بتقاسيمه.
أحبّ مقامَ الحجاز والنهوند، وألّفَ الموسيقا، ووضعَ العديدَ من الألحان، واهتمّ بالمواهب من الذين صاروا محترفين من خلاله ومن خلال صالونه الموسيقي، الذي كان ينعقد كل يوم ثلاثاء بالتناوب (موسيقا عربية– موسيقا غربية)، إضافة إلى ما كان لديه من أحاديث إذاعية موثقة وصحف وتسجيلات تراثية. وضعَ العديدَ من الأناشيد للجيش العربي السوري وللنادي الرياضي ومجموعة تراتيل دينية ومقطوعات (تانغو) كما لحّنَ لكبار الشعراء كسعيد عقل وسواه، وكان من المعروف عنه عدم حبه لمحمد عبد الوهاب، لكنه في أواخر أيامه قال (أنا ظلمت عبد الوهاب، لأنه كلما كبر الإنسان، تكبُر رؤاه وتتغير قناعاته الجامدة).
أسرة مسلسل (نهاية رجل شجاع) طلبتْ منه اختيارَ أغنية تناسب شارة المسلسل، فأعطاهم أغنية (ياما أحلى الفسحة ياعيني) التي ذاع صيتها.
وفي نهاية الاحتفائية تمّ عرض فيلم وثائقي، كتبَ مادتهُ التاريخية الباحث سجيع قرقماز، وأخرجه محمد إسماعيل آغا، تناول بعضَ الشهادات فيه كعالم آثار وباحث وأديب كتبَ الشعر والقصة والمسرحية، وعن مآثره الوطنية والاجتماعية، حين أسسَ ثانوية الكلية الوطنية باللاذقية، ولفت انتباه المسؤولين في الستينيات لأهمية قلعة صلاح الدين، التي كانت مهملة.
جورج نمر- مطرب: تشرّفني المشاركة بتكريم الراحل جبرائيل سعادة، كما يُشرّفني أنني كنتُ واحداً من تلامذته، ممن علّمهم حبَ الموسيقا وأصولَ الغناء ومحبة التراث والحفاظ عليه، لأنه مُلكُ الإنسانية والحضارة. ونحن سنستمرّ في حمل هذه الأمانة ونقلها، كرسالة فنية وحضارية للأجيال التالية.
خليل صفتلي– مطرب: جبرائيل سعادة أستاذ الكلّ. تعلّمنا منه الموسيقا على أصولها، فأرسى بحق، الأساسَ السليم للحن والكلمةِ والأداء، في وجداننا. فتحَ بابه كما قلبه، للجميع برقيّ إنسان نبيل، كبير، طيب، مبدع، فنان، وقبلَ كلّ ذلك كعاشق للاذقية ولأوغاريت.
جمعَ فلكلور اللاذقية وأغنياتها. وسأقدم في الحفلة الفنية المخصصة لغناء ماغنته اللاذقية، مع الفنان جورج نمر مجموعة أغنيات من هذا الفلكلور اللاذقاني، الذي اشتغل عليه الأستاذ جبرائيل (على روض الحبيب فتنا– عَ اليانا يانا– ياحنيّنة..) وغيرها مما غنّاه اللاذقانيون واللاذقية خلال أكثر من قرن وربع من الزمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن