ثقافة وفن

«إذا ماتوا انتبهوا» تجربة في المسرح التفاعلي في السويداء … رغد شجاع لـ«الوطن»: استخدمنا بنية المسرح التفاعلي كوسائل علاجية وترفيهية

| عامر فؤاد عامر

يقول الأديب ميخائيل نعيمة: «من كان لا يبصر غير محاسنه ومساوئ غيره؛ فالضرير خيرٌ منه». ويحتاج مجتمع اليوم، المؤلّف من شرائح متنوّعة وغنيّة، يلتهمها عصر السرعة والتغيير، وتجتاحها انعكاسات الأزمة والحرب، يحتاج إلى المزيد من التوعية، والوقوف لحظة صدق مع ذاته، سواء بصورة فرديّة أم بصورة جماعيّة. ويصبّ هدف مسرحيّة «إذا ماتوا انتبهوا» في هذه الخانة الهادفة إلى رفع سويّة الوعي لدى المتلقي وحثّه للبحث عن إجابة حقيقيّة أثناء العرض وبعد رحيله من قاعة هذا العرض، ولاسيما أن هذا العرض ينضوي في تصنيفه ضمن أحد أشكال المسرح التفاعلي اعتماداً على مشاهد وراوٍ يطرح السؤال على الجمهور مستنبطاً منه الإجابة عن اختلافها أو تشابهها ممن تقع عليه بقعة الضوء.

ورشة ثمارها كثيرة
قدّمت المسرحيّة نماذج واقعيّة من صلب الأسرة السوريّة، لكنها بلهجة مدينة السويداء، فباتت أقرب للجمهور فيها، وجاءت هذه المشاهد بين طريقة التربية والتعامل بين الأم وابنها وبين الأخ وأخته وعشيقته وبين الأخوات في البيت الواحد ذوات الطبع المختلف… إلخ. ومن هذه النماذج طُرحت الأسئلة لتضيء على عيوب يعرفها الجميع لكن لا يشتركون في نقاشها والإفصاح عنها. وهذا ما ذهب إليه العرض ليجمع عدداً كبيراً من الأجوبة بطريقة تعاونية مشتركة فرضها شكل ونمط الأسلوب المختار. وللحديث عن العرض وعن الورشة التي سبقته وماهيتها، ومضمونها، وكيف تمّ التحضير لها استعداداً لتقديم العرض، التقينا مخرجة العرض والمشرفة على الدورة «رغد شجاع» لتقول:
«قُدّمت خطّة المشروع لمؤسسة «مواطنون فنانون» التي ترأسها د. «ماري الياس» أستاذة المسرح في المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق، والتي احتوت اقتراح إقامة ورشة عمل في المسرح التفاعلي في مدينة السويداء. وتوجّهت هذه الورشة لمجموعة من الأشخاص العاملين في الجمعيات الإنسانية الاجتماعيّة الذين هم على تماس مباشر مع الناس (الأطفال– النساء– ذوي الاحتياجات الخاصة إلخ..) لتدربيهم على تقنيات المسرح التفاعلي بهدف استخدامها كوسيلة علاجية وترفيهية مع الفئات المذكورة، مع العلم أن السويداء تفتقر مدربين في هذا المجال على الرغم من كثرة الجمعيات الإنسانية فيها. وامتد المشروع 3 أشهر وكان الهدف أولاً: العمل مع هذه الفئة العمريّة الشابة على تشكيل مشاهد مسرحيّة تفاعليّة، وإعدادها لتنتج عرضاً مسرحيّاً تفاعليّاً متكاملاً. وثانياً: تدريبهم خلال الورشة على مجموعة تقنيات كالألعاب، والتمارين، وطريقة كتابة النص التفاعلي، وخصوصيّة هذا النوع المسرحي ومرونته للتعامل مع مختلف الفئات والشرائح ليكون وسيلة فنيّة (علاجيّة ترفيهيّة) جديدة تستخدم بالشكل الصحيح. وبالفعل تمّ تنفيذ هذين الهدفين ضمن خطة زمنيّة مدروسة حققت نتائجها العمليّة، فمثلاً لم يكن لدى الشباب والصبايا الجرأة الكافية على البوح بمشكلاتهم. لكن هناك أسلوب مُتّبع بالورشة يحفّز على البوح بالمشكلات، منها خلق جو الأُلفة والمحبّة بين الجميع. وقد لاحظت صعوبة في إخراج المشكلات منهم، لأنهم ضمن عمرٍ وطبيعة عمل تضعهم في موضع «الحسبان والتحسب» إضافة إلى المستوى التعليمي. لكن لاحظت مشكلاتهم من خلال علاقتهم مع بعضهم بعضاً، وتصرفاتهم، وأفكارهم، وعلى سبيل المثال: معظم المتدربين كانوا صبايا ثلاثينيات العمر، وغير متزوجات، أو حتى غير مرتبطات بعلاقات حبّ، لم تبح إحداهن بذلك عندما طلبت من الجميع (رسم أحلامهم أو غناء مشكلاتهم) وكأن الحبّ ضعف وعيب أو ليس من طموحهن، وهنا استفدت أيضاً من تشكيل المشاهد النهائيّة وتوزيع الأدوار عليهم. وعلى هذا النسق تمت كتابة النص، وكان خلال شهر واحد مع التدرب عليه، والاهتمام بتمارين الصوت والنظر في عيون الآخر وإخراج الإحساس من العمق إلخ.

بين التقليد والتفاعل
قدّم العرض في سينما بلانت في مدينة السويداء، ومن دون مراعاة لشروط خشبة المسرح، فكان التحدي أن يكون العرض في مكان مفتوح على الجمهور وبفضاء متصل بهم مع كاميرا فيديو تتنقل بين الجمهور لتسلط ضوءها على إجاباتهم وتنتقل لالتقاط ما ترويه الممثلة وما يقدمه الممثلون في المشاهد التي عملوا على كتابتها مع أعضاء الورشة الآخرين، وما يلفت الانتباه أيضاً هي حالة التحدي التي قام بها هؤلاء، فهم ليسوا ممثلين أصلاً بل أشخاص عاديون أرادوا أن يخوضوا التجربة فقرروا ونجحوا في أن يوصلوا الهدف من إقامة الورشة في الأصل. وتعليقاً على المسرح التفاعلي وخصوصيّته وعلى شروط العرض واختيار مدينة السويداء له تضيف لنا «رغد شجاع»: «شروط المسرح التفاعلي ذات مرونة حيث يمكن تطبيقها في أي مكان أو بقعة من هذه الأرض، وأنا أتحدث هنا عن شروط: أولاً: المكان فيمكن أن نلعب في أي مكان حتى لو لم يكن مسرحاً. ثانياً: التعامل بشكلٍ مريح ومشابه للبيئة كاللهجة، والتصرفات، واللباس إلخ. لكسر الحواجز مع الجمهور وإشعارهم بالراحة، وهذا يمكن تطويعه مع أي بيئة. أمّا بالنسبة للشروط المتعلّقة ببنية النصّ التفاعلي القائمة على التحليل والتركيب بمعنى تمثيل المشهد بأكثر من احتمال بناء على آراء الجمهور، فأنا برأيي أن هذا الأمر صعب التحقيق مع «غير الممثلين»، لذلك يمكن تحقيقه مع فرقة ممثلين محترفين مدربة على ارتجال حلول وتمثيلها بشكل مباشر وتمثيل مشكلات بيئة معينة ضمنها. لذلك اكتفيت بطرح أسئلة وأخذ أجوبة وهذا متاح ومطبق في المسرح التفاعلي ولا ينفي من تفاعليّة العرض. وما حاولت تجريبه هو الخروج بمزيج (مسرح تقليدي وتفاعلي) فحاولت تحقيق (المتعة والاغتراب) للجمهور لأن هذا المشروع مازال في البداية، كما أن الجمهور لايتردد في إعطاء رأيه بتصرفات شخصيات ضمن حدوتة لكنه قد يتردد ويخجل في إعطاء رأيه بتصرفات ممثل يمثل مشهداً وينتقل إلى آخر. أعتقد أن التجربة ناجحة ضمن المطروح سابقا لكنها كانت بحاجة إلى وقت أكثر وتركيز أكبر على الناحية الفنية، وهذا ما سأحاول إعادة تجربته والتركيز عليه ليكون مكتملاً أكثر في المرة القادمة.
مدينة السويداء تبدو ظاهرياً بأنها منفتحة ومتحررة من عادات وتقاليد كثيرة، لكنها في الحقيقة «غير ملوّنة» بمعنى لا يوجد فيها «تعددية»، وعندما يوضع أحد أبنائها على المحك نراه ما زال متمسكاً بعادات وتقاليد قديمة، فهي بحاجة لنبش هذه الأفكار وإعادة التعاطي معها بشكل مختلف. أما عن التفاعل، فكنت متوقعة أن التفاعل سيكون حاضراً وكثيفاً، فهذه المدينة الصغيرة معتادة على التشاركيّة بين الجنسين، ومن مختلف الأعمار في المناسبات العامة، والناس فيها يحبون دائماً أن يدلوا بآرائهم. ما يهمني في هذه التجربة هي التغييرات الطارئة على المتدربين وأهلهم كذلك، فمن دخل إلى الورشة خجولاً خرج أكثر جرأة، ومن دخل بحساسية عالية ومتعبة خرج أقل حساسية، ومن دخل بنظرة مسبقة إلى الآخر خرج بتريث في حكمه على الآخر، والذين حضروا العروض من الأهالي خرجوا متأثرين جداً وأنا أعتقد أنهم سينظرون مرة أخرى في طريقة تعاطيهم مع أبنائهم. فقد كنت أعمل كلّ الوقت على نقاط التوازن عند الجميع، وحاولت تعليمهم على ملاحظة ذلك عند الفئات التي سيتوجهون إليها، وكل ذلك بشكل غير مباشر من خلال الفنّ الأكثر قرباً من الجميع، ومتعة، ومرحاً.

في المدن المنسيّة
يغرينا أن نسلّط الضوء على ما يجري في المدن التي يمكن وصفها بالمنسيّة، مقارنةً بتسليط الضوء المستمر على النشاطات التي تقام في العاصمة دمشق، ولاسيما أن هناك تجارب غنية، وتستحق أن يُثنى عليها ويُسلط الضوء على من يضحي لتقديمها، ومثل هذه النشاطات البعيدة عن الضوء والضجيج الإعلامي لا تقلّ أهمية عما يُقام ويُثار في العاصمة الأمّ، ولا بدّ أن يكون لها أثرها ومبتغاها، علّ هذه المحاولة في لفت الانتباه أن تجدي نفعها بصورة عادلة تليق بما يمكن أن نتحدث عنه في هذه المرحلة الراهنة كدليل على رغبة الكثيرين في نذر أنفسهم وخبرتهم ووقتهم لنشر صورة راقية فنيّاً بلغة التعاون والاشتراك في جغرافية بلدنا الجميل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن