قضايا وآراء

مخطط مرسوم

| عمار عبد الغني

أميركا التي طالما تغنت هي وإداراتها المتعاقبة بأن صواريخها ذات الدقة العالية يمكن أن تطال أي شخص أينما كان، وأن استخباراتها لا يخفى عليها دبيب نملة على الأرض، كان الأحرى بوزير دفاعها جيمس ماتيس، إذا كان يريد أن يكون موضوعياً وملامساً للحقيقة خلال تعقيبه على ارتفاع عدد شهداء القصف الأميركي في سورية، أن يقول: إن بلاده تفعل ما في وسعها لقتل الشعب السوري، وإن قصف طيران التحالف الذي تقوده واشنطن، يقتل من السوريين أكثر بكثير مما يقتل من إرهابيي داعش الذي يزعمون محاربته.
خلال يومين فقط، سقط أكثر من خمسين مدنياً، هربوا من جرائم داعش، شهيداً في قصف طائرات الـ«إف 16»، ما يؤكد أن التنظيمات الإرهابية على مختلف تسمياتها هي صنيعة لواشنطن، وهذا ما أعلنت عنه صراحة وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون إبان حملتها الانتخابية بأن أميركا شاركت في صنع داعش، وما يعني أن هناك ترابطاً عضوياً وتنسيقاً عالي المستوى بين الاستخبارات الأميركية ومتزعمي التنظيمات الإرهابية.
ما حصل من تصعيد أميركي خلال اليومين الماضيين هو امتداد طبيعي للعدوان على مطار الشعيرات وعلى استهداف طيران التحالف للقوات السورية المتقدمة باتجاه الحدود العراقية، ويأتي ذلك بالتوازي مع الموقف الأميركي السلبي خلال محادثات أستانا وجنيف، وعليه، فإن الإدارة الأميركية ليست في وارد الحل السياسي للأزمة، ولا حتى في وارد محاربة الإرهاب، وما يدلل على ذلك رفضها المتكرر لدعوات روسيا للتنسيق والتعاون معها من خلال تحالف دولي واسع لمحاربة الإرهاب، وكذلك رفضها المشاركة الجدية في المحادثات السياسية.
الدولة السورية تدرك أن أميركا لا تريد حلاً سياسياً للأزمة، وكذلك لا تريد القضاء على داعش أو حتى إضعافه، فهي حتى اللحظة لم تنته من تنفيذ مخططها في تدمير سورية وإنهاك جيشها، وكذلك لا يزال في بنوك الخليج أرصدة تريد استنزافها في صفقات السلاح، ويبدو أن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدأت تتضح في المنطقة لجهة التصعيد، وها هو يتغنى في أول تصريح له مخاطباً شعبه بعد عودته إلى أميركا: «لقد جلبت لكم مئات المليارات من الخليج، وهي ستوفر آلاف فرص العمل للشعب الأميركي».
إن القصف الأميركي للمدنيين لم يكن خطأ بالمطلق، بل يأتي في سياق مخطط مرسوم لإعطاء دفعة معنوية للتنظيمات الإرهابية للاستمرار في الحرب، وإبقائها مشتعلة من جهة، وإرضاء أحقاد حكام السعودية من جهة ثانية، وهي بذلك تمسك العصا من الوسط، حيث تبقي أدواتها الإرهابية قادرة على الصمود لفترة أطول، وتواصل «حلب البقرة الخليجية» حتى آخر قطرة نفط، وخاصة أن ترامب رجل أعمال يريد إدارة ملفات العالم بعقلية التاجر.
لن نراهن على موقف من المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة والهيئات الأخرى المعنية بحقوق الإنسان، في الحياة، فكل من يسقط بنيران أميركا وأدواتها الإرهابية، هم مجرد أرقام، وحتى لا تفقد مصداقيتها أمام الرأي العام العالمي، تصرّح بين الفينة والأخرى للإبقاء على شيء من المصداقية، وآخرها ما أعلنته منظمة «إيررورز» البريطانية غير الحكومية، بأن «الضحايا المدنيين الذين سقطوا جراء القصف الأميركي هو ثمانية أضعاف ما أقرت به واشنطن»، وبالتالي لن ننتظر من تلك المنظمات أن تحاسب واشنطن، فكل العالم بات يدرك أنها وغيرها من المنظمات الدولية، عصا غليظة فقط على الدول التي تناهض سياسات أميركا، وإن كان من شيء إيجابي في ذلك، فهي وضحت للرأي العام مدى قبح الإدارة الأميركية وإجرامها.
وحده الجيش العربي السوري بالتعاون مع الحلفاء والأصدقاء الحقيقيين للشعب السوري، قادر على إنهاء الأزمة عبر مخاطبة التنظيمات الإرهابية بلغة السلاح التي لا تفهم غيرها، وكذلك إفشال المخططات الأميركية بالتدخل عسكرياً بشكل مباشر انطلاقاً من الحدود الأردنية، وها هم أبطال جيشنا باتوا أقرب من أي وقت مضى من إغلاق الحدود عبر التنسيق مع العراق الشقيق.
إن القصف الأميركي للمدنيين في سورية لن يزيدهم إلا إصراراً على الصمود والتفافاً حول جيشهم وقائدهم وتحقيق النصر المبين على الإرهابيين ومشغليهم ومموليهم في أميركا والخليج، وإن غداً لناظره قريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن