قضايا وآراء

وسائل لا تُخْطئها العين

| صياح عزام

لاشك أن الغارة التي نفذتها الطائرات الأميركية على رتل للجيش السوري كان في طريقه إلى معبر «التنف» الحدودي بين سورية والعراق، وعلى مسافة تقل عن ثلاثين كيلو متراً منه، كانت متعمدة هذه المرة، حسبما أعلنت مصادر عسكرية أميركية، على حين أن الاعتداءات الأميركية السابقة، ادعت الإدارة الأميركية مرة أنها نفذت عن طريق الخطأ، ومرة أخرى بسبب استخدام الجيش السوري لسلاح كيميائي في خان شيخون حسب زعمها.
إن هذه الغارة على الرتل العسكري المتجه إلى معبر «التنف»، تشير إلى أن واشنطن وحلفاءها مصرون على عدم السماح للقوات السورية بالوصول إلى هذا المعبر والتمركز حوله، والسؤال لماذا؟
الإجابة واضحة، ولا تحتاج إلى مزيد من التمحيص والتفكير والحسابات الدقيقة، فالرؤية الأميركية شاملة وواسعة في هذا المجال، إذ إن الهدف الأميركي هو الفصل بين سوية والعراق، من خلال الإمساك بالخط الحدودي بينهما، وقطع الطريق البري بينهما ومنع التواصل مع إيران، ولاحقاً قطع الطريق بين بحري قزوين والأبيض المتوسط، وهذا الهدف مُعلن من واشنطن وحلفائها وليس مضمراً، وأكبر دليل على ذلك، مسألة الوجود العسكري الأميركي البريطاني على هذا المحور، والترتيبات التي تتخذ على الجبهة الجنوبية بالتنسيق مع الملك الأردني عبد اللـه الثاني، إذ إن هذه الترتيبات لم تعد خافية على أحد، ولا تنتمي إلى عالم الأسرار الحربية والعسكرية.
إذاً، الغارة الأميركية على رتل للجيش السوري كان متجهاً باتجاه معبر التنف الحدودي، ما هي الإ رسالة أميركية واضحة، الغاية منها تسييج المنطقة الحدودية بخط أحمر أميركي لا يجوز الاقتراب منه بحال من الأحوال، وهذا الأمر يأتي ضمن إستراتيجية أميركية وإقليمية لتكريس منطقة نفوذ لواشنطن في سورية، إضافة إلى الوجود العسكري الأميركي في الشمال الشرقي السوري.
بمعنى أن واشنطن تعمل على مد نفوذها، على ما يبدو، من شمال شرق سورية إلى خط الحدود السورية شرقاً، وامتداداً حتى الجبهة الجنوبية التي اقترحتها روسيا لتكون «منطقة تخفيف تصعيد» خالية من الإرهاب.
بطبيعة الحال، سورية وحلفاؤها لن يقبلوا بذلك بعد هذه الغارة، إذ إنه من حق سورية أن تصل بقواتها إلى حدودها الدولية في أي مكان على أراضيها ومنها معبر «التنف»، وبالطرق التي تراها مناسبة، علماً أن مثل هذا الوجود العسكري الأميركي في الأراضي السورية يذكر بالوجود الأميركي في العراق ما بين 2003-2011 والإسرائيلي في جنوب لبنان ما بين 1982-2000.
والآن، بعد الحديث عن رسالة الغارة الأميركية على القوات السورية التي كانت متجهة نحو معبر «التنف»، لا بد من الإشارة إلى بعض الملاحظات منها:
– إنها المرة الأولى، بعد قصف قاعدة الشعيرات، التي تعلن فيها الولايات المتحدة عن استهداف مواقع للجيش العربي السوري عمداً، وبأن هذا الاستهداف لم يكن مصادفة، أو جاء عن طريق الخطأ كما كانت تزعم سابقاً في اعتداءاتها.
– إن الأسابيع والأشهر القليلة السابقة شهدت محاولات من أميركا وحلفائها وعملائها، من أجل الوصول إلى الحدود السورية العراقية وإحكام السيطرة عليها، علماً أن سورية وحلفاءها اتخذوا قراراً بضرورة السيطرة على كامل الخط الحدودي.
– إن زيارة مستشار الأمن القومي لرئيس الحكومة العراقية فالح الفياض إلى دمشق مؤخراً، تشير إلى عزم البلدين سورية والعراق على التنسيق والتعاون بين جيشي البلدين لضبط الحدود والسيطرة عليها، وهذا تطور مهم للغاية يخدم مصلحة القطرين الشقيقين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن