ثقافة وفن

رمضان بين المطبخ والتلفزيون

| هبة اللـه الغلاييني

المفترض في شهر رمضان الكريم راحة الجسد والمعدة مما ثقل عليها طوال أحد عشر شهراً متتالية، كما أنه شهر العبادة والطاعات والتقرب إلى اللـه بالنوافل والتوبة والاستغفار، غير أن أغلب العائلات في سورية، يزداد مصروفها بشهر رمضان، ويأتي الشهر الكريم وقد حمل رب الأسرة الهم مضاعفا لتلبية طلبات زوجته وأولاده الذين يرون من رمضان مناسبة للتنويع والتفنن في إعداد الوجبات الدسمة، والمقبلات الشهية، والحلويات التي لا يستغني عنها الكثيرون. حتى إن المواطن البسيط، ذا الدخل المحدود قد يضطر إلى الاستدانة والقروض من أجل أن يمضي شهرا كاملا استوفى فيه جميع الأصناف من طعام وشراب. فمتى علينا أن نعزز ثقافة التقشف في رمضان، والتحلي بالصبر على الجوع حتى نصل إلى الهدف المنشود، ألا وهو الشعور بالمحرومين والجائعين؟ تقول (رندة الأعرج) وهي موظفة وربة منزل: (عندما يقترب شهر رمضان ينتابني الهم والاكتئاب، وأبدأ بتحضير المواد الأساسية للطبخ من سكر ورز وسمن وزيت بعد أن أكون قد دخلت جمعية أنا وصديقاتي من أجل أن احصل على المبلغ المرقوم، كي ألبي احتياجات رمضان. فزوجي رجل يعشق الطعام والطبخ البيتي، وهمه بطنه في الدرجة الأولى، ويحب التنوع والأكلات الدسمة التي تحتاج إلى مال وفير وجهد كبير، ويحب أن تكون المائدة مملوءة بمختلف الصنوف والمقبلات الشهية والعصائر المختلفة، كما أنني أكون متوترة طوال الشهر، لما يبديه من نقد وتوجيهات كلما دخل المطبخ، وكأنني عبدة بين يديه، وكأنه هو الوحيد الصائم، فهو ينسى أو يتناسى أنني أعمل مثله طوال النهار، ثم أعود لأدخل المطبخ قبل أن أخلع ثيابي، كي أنقع الرز، وأجهز ما يحتاج إلى وقت، كما يتجاهل أنني صائمة مثله وأعاني من العطش والتعب، فلا فرصة لي برمضان للعبادة والخشوع، ولا السجود والركوع. فأتمنى دوما أن ينقضي هذا الشهر على خير من غير خلاف وصراخ وشتائم. أما السيدة (نجاة الحسين) وهي ربة منزل ولا تعمل خارجا فلها رأي مختلف إذ تقول: «قبل دخول شهر رمضان أكون قد أعددت وحضرت أغلب الاحتياجات سلفا، فأقوم بتنظيف المطبخ جيدا، وجرده، وجرد المونة والثلاجة، وأسجل بدفتر خاص كل صغيرة وكبيرة احتاجها، وأقوم بعدها بالتسوق وأنا مفطرة، لأنني لا أقوى على الخروج وأنا صائمة، كما أحضر كل العصائر بالمنزل، وأعد للسفرة كل احتياجاتها، من صغيرة وكبيرة، حتى أتفرغ بشهر رمضان للعبادة والاستغفار، كما أنني ابتعد عن التلفاز قدر الإمكان، لأن جميع المسلسلات أصبح بالإمكان مشاهدتها فيما بعد بفضل التكنولوجيا، أما ثواب شهر رمضان فلن يتكرر إلا من عام لعام لآخر ولا يضمن أحد عمره. فأنا احتفل بهذا الشهر بطريقتي الخاصة، وأشعر فيه بصفاء روحي عميق». ويشتكي المهندس (جلال درويش) من زوجته وأولاده في شهر رمضان حيث(يقضون أغلب الوقت أمام شاشة التلفاز، يقلبون بين المحطات، حيث يستيقظون ظهرا وقد أوشك النهار أن ينتهي، فرمضان بالنسبة لهم أكل ونوم وتلفاز! وأنا كثيراً ما أنصحهم بالتفرغ للعبادة، والإحساس بمشاعر المحرومين والمشردين والجائعين، عن طريق التخفيف من الطعام عند الإفطار، والاكتفاء بما يسد الرمق، كما أحثهم على الذهاب بصحبتي إلى المسجد لأداء صلاة التراويح التي لها فائدة روحانية كبيرة، كما أنها فرصة للتواصل الاجتماعي الناجح، ورياضة مجانية لمن يريد أن يحافظ على رشاقته) ونال إعجابي رأي الطالبة (سمر السيروان) التي تعتبر (رمضان شهراً روحانياً جميلاً، أقضيه بالبيت بين أهلي وأخواتي، وننتظر لحظة الإفطار بلهفة كي نجتمع على مائدة واحدة وفي التوقيت نفسه، وهذا ما نفتقده في الشهور الأخرى، كما أنني أحرص على أداء صلواتي بأوقاتها، واقرأ جزءا كل يوم من القرآن الكريم، ثم أدخل المطبخ مع والدتي لأساعدها في أمور الطبخ وترتيب المائدة، حيث أشعر بمتعة كبيرة، وأنا أتعلم أمور الطهي وأسراره، فهذا الوقت فرصة ذهبية لي لأستعد وأتعلم ما اجهله في فنون المطبخ. ليت كل الشهور رمضان، لأننا كعائلة تنتظم أوقاتنا، ونلتقي جميعنا صغيرنا وكبيرنا على مائدة واحدة، نتعرف فيها أكثر عن أحوالنا ورغباتنا ومستقبلنا) وأنا بدوري أقول إن التوازن بين المتطلبات الروحية والمادية هو أهم الأشياء، فلا تبذير ولا تقتير في شهر رمضان، ولا بأس من مشاهدة بعض المسلسلات ذات المغزى العميق، أو الكوميدية للترويح عن النفس، وتقسيم الوقت بين الطاعة والعبادة، وبين الترفيه والوسادة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن