ثقافة وفن

في سورية.. العلاج بالموسيقا … قره جولي لـ«الوطن»: أدعو وزارة الصحة إلى إصدار تراخيص للموسيقيين الأكاديميين

| سوسن صيداوي

من الطبيعي أن يتأثر المرء بما يحيط به، ومن الطبيعي أكثر بأن يكون كالاسفنجة التي تمتص كل ما حوله من مؤثرات، ولكن ليس هذا ما سنتحدث عنه، لأن حديثنا سيدور حول انعكاس التأثيرات في المرء، وخاصة في ظل المرحلة الراهنة حيث يشعر بالقلق، بالغضب، بالانزعاج، بالتوتر، بالأرق، وبالكثير من الاختناقات التي ستكبّل فكره وتجعله أسود، أو ستعصر قلبه وتجعله سريع الضربات، الأمر الذي سيخل بتوازن ضغطه الدموي والنفسي والعقلي. ولكن العلم والطب يتطور كي يتدخل في أدق ما نشعر أو نفكر به، وليس هذا فقط بل همّه تحقيق هدفه في بناء شخصية الإنسان منذ تكوينه وهو جنين في بطن أمه، والحديث المقصود في موضوعنا هو المعالجة الموسيقية أو العلاج بالموسيقا، وهذا العلاج له تاريخه وتأثيره الفاعل عبر عصور الحضارات القديمة في تدخله من خلال العزف على الآلات الموسيقية للتخلص من الكثير من الحالات المرضية أو العقلية أو في طرد الأرواح الشريرة. إذاً فالفكرة التي لم يختلف عليها الإنسان مهما تتابعت الحضارات في تطورها هي بأن الموسيقا والتفاعل معها هو الدواء الصحي للمرء، بشرط ضروري وأساسي أن يكون الشخص المتلقي للعلاج مؤهلاً للبرنامج الموسيقي العلاجي وعنده إدراك له وملماً بالعلوم، إضافة إلى إيمانه ورغبته بالشفاء من دون استخدام حبة دواء واحدة، بالمقابل هذه المعالجة تحتاج من المعالِج أن يكون موسيقيا مؤهلاً وملماً بتفاصيل مشاكل الحالات المرضية، وللحديث أكثر عن العلاج الموسيقا كان لنا لقاء مع الموسيقي والعازف جوان قره جولي الذي تحدث عن أهمية هذا العلاج الجديد في سورية وعن ضرورته وخاصة في الوقت الراهن الذي تعيشه البلد.

«العلاج بالموسيقا».. مفهوم جديد- بالنسبة لنا- للمعالجة العصبية والنفسية وغيرها، والعنوان بحد ذاته يثير الاستغراب.. ما طبيعة هذه المعالجة؟
العلاج بالموسيقا هو علاج صحي مبني على التفاعل مع الموسيقا من أجل تحقيق أهداف معينة في صحة المريض الذي يجب أن يكون مؤهلا لذلك وموافقاً على برنامج العلاج، باستخدام الموسيقا وكل من جوانبها البدنية والعاطفية والعقلية والاجتماعية والجمالية والروحية، لتحسين حالته العقلية والبدنية، وهو أحد العلاجات الساندة للعلاجات الطبية الأخرى. بصورة أساسية المعالِجون بالموسيقا يساعدون المرضى لتحسين الصحة في عدة مجالات مثل العمل المعرفي، مهاراتهم الحركية، والعاطفية، والمهارات الاجتماعية، ونوعية الحياة، عبر استخدام المجالات الموسيقية مثل حرية الارتجال أو الغناء أو الاستماع وذلك لتحقيق أهداف العلاج.

حدثنا عن محاور العلاج الموسيقي؟
للعلاج بالموسيقا عدة محاور:
المحور الأول عضوي وأخص بالذكر: الصداع النصفي، الألم بشكل عام، وتشنج العضلات وآلام المفاصل وطنين الأذن، فما ذكرته من أمراض له علاج موسيقي عن طريق الترددات الموسيقية أو الترددات الصوتية التي تؤثر في الجملة العصبية وبالتالي تخفف الألم. في حين المحور الثاني هو المعالجة الحركية، والتي لها علاقة بالأطفال المصابين مثلا بالتوحد أو بمرض الاهتزاز أو الرجفان، وكذلك الزهايمر، فهذه الأمراض لها علاج موسيقي يحل جزءاً كبيراً من هذه المشاكل. في حين المحور الثالث للمعالجة الموسيقية هو عصبي، ويشمل القصور في عمل الدماغ، حيث تُعطى الموسيقا كي تنشط عمل الدماغ، وهنا يجب الانتباه إلى أمر مهم، لا ينتهي الأمر ويشفى المريض بمجرد إعطائه قطعة موسيقية واحدة، فالقصة علاجية وتحتاج إلى وقت طويل وإلى خطة، ومن خلالها يزداد نشاط الدماغ. وفي هذا المحور إضافة للعلاج العصبي هناك خط ثان يشمل العلاج النفسي، من قلق وتوتر، أرق واكتئاب وصدمة، والفكرة بأن الموسيقا تعالج هذا التوتر وفي كثير من الحالات تلغيه. لدينا حالات في المركز الطبي نجحنا فيها بإلغاء التوتر والضغط، دون أن يتناول المريض حبة دواء، وحتى أصبح ضغط الدم منتظماً، فكلنا نعرف بأن الجسم جملة أعصاب، وعندما تكون الأعصاب مشدودة تكون العضلات مشدودة ونحن من خلال المعالجة نعطي المريض مقطوعات موسيقية ويكون لها أوقات محددة كما في الدواء تماما، فهناك مقطوعات تُسمع في الصباح وأخرى في المساء وهكذا على فترات حسب عمق المشكلة، وأذكر بأن أعقد المشاكل تم حلها خلال ثلاثة أسابيع في حين أنها طبيا تحل خلال ستة أشهر أو أكثر.

ولكن هناك محوراً مختصاً بالجانب الوقائي وهو للأم الحامل، وأنت تعتبر هذا المحور في العلاج من أهم المحاور.. لماذا؟
بالفعل هذا المحور في المعالجة الموسيقية مهم جدا، لأن الجنين في الأسبوع الحادي والعشرين وما بعده، يبدأ بسماع دقات قلب أمه، فإذا كانت نبضات قلب الأم غير متوازنة يأتي الطفل متوترا، لهذا يكون علينا منذ بداية الحمل حتى الأسبوع الحادي والعشرين الاهتمام بالأم الحامل، بعدها في الأسبوع الثالث والعشرين يبدأ العمل على الجنين بتنمية دماغه ثم باسترخاء أعصابه، والمرة اللاحقة تكون بتعليمه بوضع معلومات في دماغ الجنين وهو في بطن أمه. فمن خلال هذا المحور نصل إلى نتيجتين مهمتين:الأولى عندما يولد الجنين يبكي كثيراً ويكون الحل بأن نسمعه نفس الموسيقا التي كان يسمعها وهو في بطن أمه، أي في بيئة الأمان، وبالتالي يسكت ويرتاح، ثم المرحلة التي بعدها نبدأ بتعليمه وتدريسه من خلال أغان معينة لعدة أمور أو مواضيع أساسية في الحياة مثل الأبجدية بعدة لغات، والأرقام والألوان والأشياء، كلها تصبح مخزّنة في دماغه، وبعد الولادة يكون التدريب على أن يرى بصريا ما كان يسمعه في الأغاني من مواضيع، وفي هذه المرحلة نكون ربطنا السمع مع البصر وعمليا المعلومات موجودة في دماغ الطفل، وبعد أن يصبح عمره في السنتين ويبدأ بالكلام نجده انطلق بالمعلومات التي كان قد خزنها دماغه، ويصبح تعليمه أسرع وبالتالي نكون اختصرنا من ست إلى سبع سنوات من التعليم.

هل بدأ تطبيق هذا الكلام في سورية، وهل هناك إقبال من الجمهور على اللجوء إلى المعالجة الموسيقية؟
نعم… هذا الكلام بدأ في سورية وهذا الأمر الجيد، ولكن الإقبال ليس كما نرغب به، ولكن النتيجة التي نعمل عليها جيدة فمثلاً من كان يعاني الأرق ارتاح من هذا الأمر، ومن يعاني ضغط الدم كذلك والكثير من المشاكل قمنا بحلها دون أن يأخذ المريض حبة دواء واحدة.

ماذا عن كلفة هذا النوع من المعالجة وهل تقدر أي أسرة سورية على تحمّل نفقاته؟
المعاينة في هذا النوع من العلاج مثلها مثل أي نوع آخر من العلاجات من حيث التكاليف، وعلى ما أعتقد أن في المركز الطبي تبلغ تكلفة الجلسة ثلاثة آلاف ليرة سورية، ولكن ما أريد الإشارة إليه بأن هذا النوع من العلاج في النهاية هو نوع من العلاج بالموسيقا، إضافة إلى ما يمكنني تأكيده، بأننا قادرون على حل بعض المشاكل وليس كلها، والأمر الآخر الذي أؤكده أنه يتم العلاج دون استخدام حبة دواء واحدة، هذا وأضيف بأن العلاج بالموسيقا هو خط ثان وليس أول، وبالنهاية القرار للطبيب، فهناك حالات لا يمكن أن تُعالج بالموسيقا، وهناك أمر جد مهم وهو إنه مثلا في حالات وجع الرأس أو الصداع، يأخذ المرء حبة من المسكن فيزول الوجع، ولكن هذا الألم مختلف في الموسيقا لأن المشكلة هنا هي شخصية متعلقة بالفرد نفسه وعلاجه عند أحد الأشخاص مختلف عن علاج أي شخص آخر، فالموضوع جداً دقيق ونوعية الموسيقا المنتقاة لها تأثيرها الخاص في الفرد، وهذا يتطلب مهنية عالية من الموسيقي المتخصص لأن عليه أن يدرك تماما ما يعانيه الفرد المريض، وأيضاً أن يرسم له خطة علاج توصله إلى الهدف المطلوب، فالأمر المفروغ منه بأنه ليس لكل الناس نفس المشاكل، ولا نفس المستوى منها، ولا تعيش بنفس البيئة، ولا كل الناس تتقبل نفس الملاحظة، ولا تتقبل المدة في العلاج فهناك القادر على استماع ثلاث دقائق فقط في حين هناك أشخاص قادرون على الاستماع لمدة أربعين دقيقة، أنا سعيد لأن هذا الأمر بدأ في سورية وكما البعض يعلم بأن هناك اتحاداً عالمياً للعلاج بالموسيقا، وأنا أدعو وزارة الصحة بأن تصدر تراخيص للموسيقيين الخريجيين والأكاديميين حصرا، وأتمنى أن يتم تفعيل هذا الأمر حكوميا.. صحيح لدينا حرب ولكننا نعالج بالموسيقا.

ولابد أن يكون هنا دور مهم لوزارة التربية وتعميم الفكرة على المدارس؟
هذا أمر نتمناه حقا، لأنه أمر جدّ ضروري أن تتدخل وزارة التربية أيضاً لاشك في ذلك، وما أريد أن أشير إليه إلى أنني مرة في معهد أوتار قمت في أصغر صف، وهم أطفال بعمر أربع أو خمس سنوات، بجلسة استرخاء وهي لا تتجاوز الخمس دقائق، لأن الطفل لا يتحمل أكثر من ذلك، وقمت بصياغة الجلسة وكأن الأطفال يقومون برحلة، من خلال الموسيقا التي يستمعون إليها، وفوجئت بعدها بأيام بأن كل الصف طلب مني بأن أخذهم برحلة، وهذا دليل على أن الطفل بحاجة للاسترخاء والموضوع جاء بنتيجة، وبصراحة أنا أحلم بأن يتم تطبيق هذا الأمر بالمدارس لدينا، ولكن للأسف أين مدّرس الموسيقا القادر على تطبيق جلسات استرخاء للأطفال صحيحة، إذاً نحن بحاجة لتأهيل كادر وبالتالي نحن بحاجة إلى موافقة من وزارة الصحة، وأن يتم تأهيل كادر من خريجي المعهد العالي ومن الكادر التدريسي لوزارة التربية كي يتم تحقيق فن الاسترخاء وفن المعالجة بالموسيقا، لأنه بالطبع لا حل لما نعانيه إلا بالموسيقا.

ويمكن استثمار الحصص الموسيقية المهدورة في المدارس بشيء حقيقي ونافع؟
هذا صحيح وخاصة أن المنهاج الموسيقي المدرسي معقد جداً وغير نافع، ولا يدّرس بالكرة الأرضية ولا في المريخ، وبسببها بدلا من أن يحب الأطفال الموسيقا أصبحوا يكرهونها، فالموسيقا بطبيعتها تقول أبق حيث الغناء فالأشرار لا يغنون، ولكن كيف يمكنني أن أبعد الشر عن قلوب الأطفال والحصة تذهب لمصلحة مواد أخرى، وهنا أريد التأكيد بأنه لو كان تعليم الموسيقا في سورية يتم بالشكل الصحيح في المدارس لما وصلنا إلى جزء مما نحن فيه اليوم، لأنه على الأقل كنا مسترخين أو نعرف كيف نمكن أنفسنا من الاسترخاء والابتعاد عن الضغط والتوتر. والجميل بأننا لمسنا نتائج المعالجة بالموسيقا نحن كمختصين وأطباء وحتى كمرضى، وأريد الإشارة إلى أن أطباء في المركز الطبي جاؤوا وعملوا جلسات استرخاء كي ينفسوا عن ضغط العمل ومشاكل الحياة وحتى إنهم لمسوا النتيجة رغم أنهم أطباء، وفي النهاية لابد أن يكون الفرد مؤمناً بهذا الكلام وعنده القدرة والعلم والاطلاع على هذا العلم، وبالمناسبة ليس كل موسيقي قادراً على المعالجة لأنه أمر يحتاج إلى رغبة وهواية، وأن يدخل بتفاصيله فأنا أقرأ عنه منذ زمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن